مايو 5, 2024
اخر الاخباركتاب وأراءمقتطفات تلسكوب

الرقمنة الإعلامية وصيانة الأمن الإنساني

وكالة تليسكوب الاخبارية – بقلم الكاتب ماجد الخواجا

على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت في مطلع الألفية الجديدة، فإن الربيع العربي الذي انطلق في نهاية العام 2010، يعدّ أول احتكاك مباشر بين الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي، بشكل عمل على توليد أسئلة كبرى حول كيفية تعامل الصحافة ونشر المحتوى على هذه المنصات الجديدة.

وفي اللحظة التي سبقت انطلاق شرارة المظاهرات فيما دعيت بدول الربيع، كان الميدان بمفهومه التقليدي لدى الصحفيين خاليًا من أية إرهاصات تنبئ بما سيحدث بعد أيام أو أسابيع قليلة. فيما حفلت منصات التواصل الاجتماعي بأنها أصبحت ساحة تظاهر افتراضية ضخمة، وضجت بـ «مليونيات» من النقد والخوض في الشأن السياسي، وتجلّت بدعوات التظاهر لإسقاط الفساد والاستبداد.

فتحت هذه الحالة الباب أمام عشرات الإشكاليات المهنية، وأنذرت ببدء عصر جديد في الصحافة، ينطلق بشكل جوهري من تغير «الميدان» وانزياحه لمنصات التواصل الاجتماعي أكثر من الشارع، وهو ما طرح أسئلة كبرى حول الأخلاقيات الجديدة للتعامل مع هذا المستجد، والحاجة الملحّة لوضع قواعد أخلاقية جديدة، وتطوير أخرى، انطلاقًا من هذا الانزياح الجوهري.

ودارت الحوارات حول إيجاد منصات وقواعد أخلاقية للإعلام في ظل الرقمنة القادمة بقوة وسرعة لا مجال حيالها إلا أن يتم مجاراتها، صار الحديث عن خوارزميات يمكن لها أن تحتفظ بالأخبار أو المقالات لفترات طويلة مع تفاعل مباشر للجمهور مع سقف مرتفع هدم كثيراً من الحواجز التقليدية.

وجاء السؤال الأخلاقي الجوهري الذي تطرحه الخوارزميات حول قدرتها على التحكم في طبيعة المعلومات المتدفقة للجمهور، لا سيما أنها تتغير بشكل دائم، ولا توجد شفافية من قبل الشركات في عرض آليات عملها. على هذا الأساس، أصبح للخوارزميات القدرة على تحديد الجمهور الذي سيتلقى محتوى الوسيلة الإعلامية بناء على عوامل مركّبة ومعقدة.

مع دخول الإنترنت وما تبعه من إنشاء لمنصات تواصل اجتماعي، انتشرت، بشكل هائل، المواقع والصفحات الإعلامية التي تدعي أنها تمارس صحافة رصينة، بينما في الواقع أن كثيرًا منها بعيد عن العمل الصحفي الرصين وقريب من العمل الدعائي أو توظيف العمل الصحفي لغايات تجارية بحتة.

وهكذا، اختلط على الجمهور المنصات الصحفية المهنية الرصينة مع تلك التي تمارس عملًا دعائيًّا مغلفًا بلبوس صحفي، فضلًا عن كم الأخبار الزائفة التي تنتشر أكثر من الأخبار الصحيحة في كثير من القضايا. إنه خلط ساهم في تراجع ثقة الجمهور بالمؤسسات الصحفية ككل، وانعكس سلبًا على المؤسسات الصحفية المهنية.

أصبحنا نسمع ونقرأ لأول مرة عن مفاهيم لم تعهدها ساحة الإعلام من قبل، فالتنمّر الإلكتروني، والتفاهة السيبرانية، والإبتزاز السيبراني، والجيوش الإلكترونية، والذباب الإلكتروني، الأخبار المفبركة، التضليل الإعلامي، هي ثمرة من ثمار الرقمنة الإعلامية الهائلة.

إن الصحفيين والمحررين ومنتجي الأخبار يفتقدون للأدوات المعرفية التي تمكنهم من التعامل مع المعضلات الأخلاقية الجديدة عند تعاملهم مع المنصات الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي في عملهم الصحفي، والتي لم يتم التطرق لها في القوانين ومدونات السلوك المهني الحالية.

لقد استمر لسنوات طويلة النظر إلى الإعلام الجديد على أنه طرف آخر وخصم للإعلام التقليدي وليس تغيّراً لازماً فرضته تطورات وتحديثات وتحولات التكنولوجيا الرقمية.

إن التحول الرقمي الذي شهدته الصحافة، وارتباط عملها، بشكل كبير، مع منصات التواصل الاجتماعي، خلق مجموعة من التحديات الأخلاقية الجديدة والأصيلة التي لا يوجد لها تنظير كافٍ في أدبيات الأخلاقيات الصحفية. لقد أفضى ذلك إلى خلق حاجة ملحة لوضع قواعد أخلاقية جديدة للتعامل معها، انطلاقًا من المعايير الأساسية للعمل الصحفي الأخلاقي.

إن الدعوة لوضع منظومة أخلاقية عالمية تراعي التطور الرقمي الحتمي، وتراعي بنفس الوقت كرامة وحاجات الفرد الإنسان كقيمة بذاته، هي أحد المتطلبات الأساسية للتنمية المستدامة التي تسعى في جميع أهدافها لتحقيق الأمن الإنساني العالمي كما ورد في أدبياتها.

Related posts

تعرف على أفضل أنواع الأرز لرفع المناعة ومحاربة السرطان

daw daw

UK growth figures raise chance of rate rise

admin

الجغبير: الصناعة أكثر القطاعات الاقتصادية استقطابا للاستثمارات

daw daw