يوليو 1, 2024
اخر الاخبارسلايدر رئيسيةكتاب وأراء

الولايات المتحدة الأمريكية كيف تنظر إلى طوفان الأقصى …؟

وكالة تليسكوب الاخبارية – بقلم المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

      أنه على الرغم  من أستعراض القوة الذي أظهرته الولايات المتحدة الأمريكية عبر تحريك جيرالد فورد أحدث وأكبر وأفضل حاملات طائراتها ومعها أربع مدمرات وطراد وقطع بحرية أخرى لمساندة إسرائيل، إلا أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تريد على ما يبدو وهذا رأي كمراقب ومحامي دولي إنفلات الرد الإسرائيلي على هجوم الفصائل الفلسطينية المسلحة ( حماس و الجهاد ) ليتحول إلى حرب إقليمية واسعة، فكيف تدير أميركا سيناريوهات الصراع المحتملة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية ..؟ وما الذي يتوقعه المحللون والخبراء والمراقبون في واشنطن لما يمكن أن ينتهي إليه القتال ..؟ في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة النتن ياهو الحرب رسمياً على الفصائل المسلحة الفلسطينية في غزة وعلى رأسها حركة “حماس” بعد هجومها المفاجئ على جنوب إسرائيل، وإعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن إرسال القوة الضاربة لحاملة طائراتها جيرالد فورد إلى شرق البحر المتوسط لدعم إسرائيل، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية أستهدفت حصر القتال المتوقع خلال الأيام والأسابيع المقبلة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة وضمان عدم إمتداد إلى مناطق أخرى كجنوب لبنان، ولهذا كانت مظاهر الأستعراض العسكرية الأميركية للقوة بمثابة رسالة إلى إيران أولا ً وأداة ردع لـ حزب الله الذي بدأ في قصف مزارع شبعا كنوع من التهديد بإستعداده الدخول في الصراع ومساندة حركة ” حماس “، بينما يمتلك ( 150 ) ألف صاروخ يمكنه إطلاقها على المدن الرئيسة في إسرائيل، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حرب شاملة ليس فقط في غزة، بل في لبنان أيضاً حيث يتم جرّ الجميع إلى هذه الحرب.

      ولأن حزب الله وإيران الذي تدعمه هما اللذان يشكلان التهديد المباشر الأكبر المتمثل في تحويل الحرب بين إسرائيل و”حماس” إلى حريق إقليمي أوسع وأكثر ضرراً بما يمثل النتيجة المثالية لـ حماس ، أطلقت الولايات المتحدة سفنها الحربية إلى شرق المتوسط، ليس فقط لتحسين قدرات المراقبة والتنصت وأعتراض الإتصالات والتشويش أو منع حركة حماس من التزود بمزيد من السلاح، وإنما أيضاً لإيصال رسالة مفادها بأن واشنطن مستعدة للتدخل عسكرياً إذا لزم الأمر، ذلك أن أي حرب بين إسرائيل و” حزب الله ” سوف تتصاعد بسرعة وتسفر عن وقوع خسائر كبيرة في الأرواح على الجانبين، وبينما فسّر عدد من المراقبين ووسائل الإعلام الأميركية إعلان إسرائيل الحرب في غزة لم يحدث خلال جولات الصراع الخمس السابقة مع حركة حماس على أنه يستهدف السيطرة الكاملة على قطاع غزة وإسقاط حكم حركة  حماس فيها، إلا أن إدارة الرئيس بايدن لا يبدو أنها مطمئنة لعواقب هذه المهمة الصعبة، نظراً لوجود مشكلتين قد تعرقلان تحقيق الهدف بحسب الدبلوماسي المخضرم مارتين إنديك سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل.

      وتتمثل المشكلة الأولى في أن إسرائيل سوف تقاتل في مناطق مكتظة بالسكان 2.1 مليون بمعدل 5500 نسمة في كل كيلومتر مربع ، وأن الإحتجاجات الدولية ضد الخسائر في صفوف المدنيين ألتي قد تلحقها إسرائيل بأسلحتها المتطورة من شأنها أن تحول الإدانة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، ومن ثم تفرض الضغوط على إسرائيل لحملها على التوقف، لكن من غير المرجح أن توافق إسرائيل هذا الطلب إلا إذا رأت أنها حققت بعض أهدافها على الأقل وفق ما يقول جوناثان بانيكوف مدير مبادرة ” سكوكروفت ” للأمن بالمجلس الأطلسي، المشكلة الثانية وهي الأهم تتعلق في أنه إذا نجحت إسرائيل في حرب واسعة النطاق، فإنها سوف تسيطر على قطاع غزة بالكامل، وعليها الإجابة على أسئلة صعبة مثل كيف ستخرج هذه القوات من القطاع ..؟ ومتى ستنسحب منه ..؟ ولصالح من سوف تنسحب ..؟ بخاصة أن الإسرائيليين لا يريدون العودة إلى غزة التي أنسحبوا منها بإذلال عام 2005، ويقال اليوم بأن مهمة السيطرة على قطاع غزة تكاد تكون مستحيلة نظراً للقاعدة الإقتصادية والدينية والأجتماعية العميقة التي تتمتع بها حركة حماس هناك، وأن أقل تقدير بالنسبة للقادة الإسرائيليين الذين يشعرون بالضغط لإظهار النجاحات، سيكون مقتل أو إعتقال كبار قادة حركتي حماس والجهاد، فضلاً عن العلامات الواضحة والعميقة الأخرى التي تشير إلى أن إسرائيل ترد على الضربة، وهو ما يعني أن حركتي حماس والجهاد سوف يتلقون ضربة قاسية في نهاية المطاف، ومن المؤكد أن سكان غزة العاديين سوف يدفعون ثمناً باهظاً، وعلاوة على ذلك تريد الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل محاولة إستعادة كرامتها المهدورة بعد العمليات الفلسطينية الأخيرة، ولكن مع قدر من ضبط النفس حتى يمكن لإدارة بايدن الحفاظ على المحادثات الحساسة لتشجيع دول عربية على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما تنصح به أيضاً المديرة السابقة لمنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي الأميركي كيرستن فونتينروز ألتي تقول إنه ينبغي على إسرائيل أن تكون حريصة على عدم تسليم إيران و”حماس و الجهاد ” الفوز المفسد لمثل هذه الصفقات من خلال الرد عسكرياً بطرق تؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين غير المشاركين في الهجمات، وتجعل من المستحيل على الدول العربية الأخرى الراغبة في تطبيع العلاقات التوصل إلى إتفاق، لكن في الوقت نفسه بحث بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلي النتن ياهو الوسائل الكفيلة بحرمان ما وصفاه ” أعداء إسرائيل ” من الفوز بميزة إستراتيجية من وراء هجومهم المباغت على البلدات الإسرائيلية والمستوطنات في غلاف قطاع غزة وإحتجاز مئات الرهائن لديهم منهم أمريكان وجنسيات أجنبية أخرى، وهو أمر يختلف عن جولات الصراع الروتينية السابقة ألتي كان يعقبها أعمال أنتقامية إسرائيلية متوقعة تنتهي بتدخل الوسطاء الخارجيين الذين يساعدون في التفاوض على وقف مؤقت لإطلاق النار، لكن هذا الروتين لم يعد موجوداً، فقد أثبتت حركة “حماس” أنها أكثر طموحاً وكفاءة من الناحية العملياتية والقدرات التكتيكية مما كان متوقعاً، بينما شكلت الخسائر التي تكبدتها إسرائيل ضربة أكبر من تلك ألتي تعرضت لها الولايات المتحدة الأميريكية في11 سبتمبر 2001، ولذلك سوف تتوقع إدارة بايدن أن يعكس الرد العسكري الإسرائيلي هذا الواقع، إذ تصاحب العمليات البرية الضربات الجوية بحيث تكون النتيجة المحتملة تدهوراً كبيراً في حركة حماس داخل غزة مع بعض الخسائر الإسرائيلية، وكما ثبت أن 11 سبتمبر كانت بمثابة خطأ إستراتيجي طويل الأمد بالنسبة لتنظيم ” القاعدة “، يريد الأميركيون والإسرائيليون إثبات أن أحداث السابع من أكتوبر كانت خطأ إستراتيجياً مماثلاً بالنسبة للحركة.

    وحيث أن الوسيلة الوحيدة ألتي قد تتمكن بها “حماس” من تحقيق النصر في الحرب المقبلة تتلخص هي أن تتخذ الجماعات والتنظيمات الفلسطينية الأخرى في الضفة الغربية قرارات من شأنها أن تعزز أهداف الحركة الإستراتيجية، تسعى الخارجية الأميركية من خلال إتصالاتها المكثفة بأطراف عربية مثل السعودية والأردن ومصر والإمارات ودولية للتأثير في قيادة السلطة الفلسطينية لمعرفة ما إذا كانت قادرة على السير على خط رفيع، كما فعلت من قبل من خلال تقديم الدعم الخطابي لشعب غزة، ولكن مع منع إندلاع أعمال عنف موازية في الضفة الغربية، لكن إذا فشلت الجهود الأميركية، أو إذا أختارت قيادات السلطة الوطنية الفلسطينية مساراً مختلفاً هذه المرة، فسوف تواجه إسرائيل حرباً على جبهتين حيث سيكون الفلسطينيون هناك مصدر إلهام لشن هجمات أقل، بخاصة أن شروط الإنتفاضة الثالثة موجودة بالفعل بحسب تقدير الدبلوماسي الأميركي السابق ريتشارد ليبارون، وفي هذه الحالة، سوف تقطع حركة” حماس ” شوطاً طويلاً نحو تحقيق هدفها الأساسي وهو إستكمال معركتها في غزة عام 2007، لتصبح هي البديل المناسب وربما الوحيد حال ( وفاة ) رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس الذي يبلغ من العمر الآن 87 سنة، وبالإضافة إلى ذلك، تخشى الإدارة الأميركية أن تعمل ” حماس ” على تشجيع الشعوب العربية على الإنتفاض، على غرار أعمال العنف ألتي وقعت عام 2021، ألتي فاجأت العديد من المراقبين، لأنه إذا حدث ذلك، فإن الضرر الذي سيلحق بقدرة المجتمع الإسرائيلي على البقاء على المدى الطويل سيكون شديداً، ومن الطبيعي لمنع هذه النتيجة هو السعي إلى تحسين سبل عيش عرب إسرائيل وجعله من بين الأولويات الإستراتيجية العليا لأي حكومة إسرائيلية.

       الولايات المتحدة الأمريكية تبقى تأمل أنه حينما يهدأ الغبار قليلاً سوف يمكنها معاودة طلب تدخل دول عربية مثل السعودية والأردن ومصر والدول التي وقعت على إتفاقيات ” أبراهام ” مع إسرائيل مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين لتهدئة الأمور والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، لأنه كلما طال أمد ذلك في المستقبل، سيكون من الصعب عليها الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل.

      وحسبما يشير مارتن إنديك مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ومبعوث الرئيس الأسبق باراك أوباما للشرق الأوسط، فإن على الإسرائيليين أيضاً أن يتصالحوا مع الواقع الجديد، فقد كانت الغطرسة هي ألتي دفعت الإسرائيليين إلى الإعتقاد عام 1973، بأنهم لا يهزمون ولديهم الجيش الذي لا يقهر، وأنهم القوة العظمى في الشرق الأوسط، وتجلت الغطرسة نفسها، مرة أخرى في السنوات الأخيرة، حتى عندما أخبر العديد من المراقبين الإسرائيليين أن الوضع مع الفلسطينيين غير قابل للأستمرار، لكنهم ظنوا أن المشكلة كانت تحت السيطرة، والآن تم نسف كل إفتراضاتهم، تماماً كما حدث في عام 1973، ولهذا تستهدف إدارة بايدن في نهاية المطاف أن تكون قادرة على إقناع الإسرائيليين بأنه يتعيّن عليهم أن يشرعوا في نهج سلمي جاد مع الفلسطينيين وتعلم الدرس القاسي، وأقول كمراقب أن الولايات المتحدة تدير الحرب ألتي أعلن عنها النتن ياهو بهذه الطريقة .

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

السعودية – الرياض 2023/10/10

Related posts

محلل استخباراتي إسرائيلي: “تدهور مكانة إسرائيل الدولية بوتيرة متسارعة”

daw daw

الملك يؤكد على أهمية الشفافية والعدالة والكفاءة في آلية التعيين في القطاع العام

daw daw

نشامى الوطن ما قصرتوا

daw daw