يونيو 26, 2024
كتاب وأراءمقتطفات تلسكوب

العقوبات الدولية المفروضة على إيران وأنعكاساتها على المواطن الإيراني

وكالة تلسكوب الاخبارية – بقلم الكاتب المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

      يعيش حوالي نصف سكان إيران البالغ عددهم 85 مليون نسمة تحت خط الفقر ، ومع إستمرار العقوبات الدولية المفروضة على إيران لا يأمل الناس كثيرا في تحسن قريب لهذا الوضع ، خاصة أن إيران أعتادت على إختبار هذا النوع من الأزمات الإقتصادية على مدار أكثر من 4 عقود مضت منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران ، ومنذ نشأت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بوصفها نقيضا لنظام الشاه المخلوع الذي أسقطته الثورة عام 1979، حازت الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضعا خاصا في النظام الدولي ، فهي نظام ثوري متحرِّر تماما من قيود التحالفات الغربية ، ويمتلك في حوزته خبرة عسكرية ضخمة من أطول حرب شاملة عرفتها منطقة الشرق الأوسط بين العراق وإيران طيلة الثمانينيات ، وهي أيضا نظام يملك في حوزته كميات هائلة من النفط والغاز لا يعرف كيف يستفيد منها بسبب علاقاته شبه المنقطعة عن الإقتصادات الغربية ، كما أنه يملك طبقة كبيرة نسبيا من المُتعلِّمين تتسرَّب بإستمرار للعمل في خارج إيران نتيجة آثار العقوبات الإقتصادية التي قوَّضت فرص الإستثمار ، ونتيجة لذلك ، فإن العلاقات المحدودة بين إيران والإقتصاد العالمي ، وآثارها على الإقتصاد المحلي ، لا تزال هي المُعضلة العالقة بين إيران والعالم من جهة ، وبين النظام الإيراني وشعبه من جهة أخرى ، كما أنه أيضا وبمرور الوقت ، ولَّدت الحركات الإجتماعية الناقدة للعُزلة الإقتصادية والتشدُّد السياسي في مواجهة الغرب أتجاها إصلاحيا من داخل النخبة الحاكمة نفسها ، وبرزت ملامحه بوضوح في الإنتخابات الرئاسية التي جرت عام 1997 وفاز بها “سيد محمد خاتمي” بنسبة 70% من أصوات الناخبين ، وبينما حاز الإصلاحيون في معظم فترات الجمهورية دعم الشباب والطبقات الوسطى ، وحاز المحافظون دعم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية والقطاعات الإجتماعية المستفيدة من النظام ، وأنحصرت اللعبة في الأخير بين هذين الطرفين ، نلفت النظر هنا الفترة الرئاسية المهمة للرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني 1989ــــ1997 الذي حاول تقويض سلطان المحافظين قدر الإمكان وشكَّل علاقة جيدة في الوقت نفسه مع المرشد الأعلى ، في محاولة لإحداث توازن يتيح له إصلاح الوضع الداخلي بعد الحرب المفروضة ، واحتواء الشبكات القتالية التي عادت من الجبهة العراقية ، والخروج بالبلاد من أزمتها الإقتصادية نحو علاقة منفتحة على أوروبا والولايات المتحدة والتي لعبت الدبلوماسية الإيرانية دوراً كبيراً في تلك الفترة ، وكانت المؤسسات المحافظة والعسكرية سرعان ما بدأت في مقاومة هذا الإتجاه الإصلاحي ، وهو صراع إنعكس على الحياة المعيشية للمواطن  الإيراني ، وتسبَّب في تعطُّل إندماج إيران داخل الإقتصاد العالمي ، وعرقلة فرص الإيرانيين في التمتُّع بمنظومة إقتصادية منفتحة تلبِّي إحتياجات الطبقة الوسطى فيها ، وفي غضون ذلك ، تفاقم الفساد ، وتشكَّلت شبكات كاملة تخلَّلت مؤسسات الدولة كافة ، وإن أصرَّ النظام الإيراني على أن الفساد مشكلة أشخاص بعينهم لا مشكلة النظام بأكمله ، كما أنه أيضا وعلى مدار العقود الماضية تبلورت قوى مستفيدة من العُزلة والفساد القائمَيْن ، ومنهم رجال أعمال شباب قريبون من أعضاء بالبرلمان وبمجالس المدن ، وهُم يملكون ثروات فلكية ، ويديرون جمعيات خيرية في الوقت نفسه ، ويقيمون إحتفالات دينية بأموال طائلة ، فيما يشبه الإقتصاد الموازي للإقتصاد الرسمي المشابه للإقتصاديات التابعة للجيوش في دول عديدة مثل سوريا ومصر وباكستان ، وفي الوقت ذاته ، دأب المرشحون بإستمرار على التعهُّد بتقليص الفساد والتضخُّم في كُل دورة إنتخابية برلمانية ورئاسية ، ولكن دونما حلول حقيقية يلمسها الشارع والمواطن بالفعل ، ولم تبرح الوعود الإنتخابية منصات الحملات الإنتخابية ، رغم تكرارها في كل مناسبة ، على سبيل المثال لا الحصر ، ركَّز خطاب الرئيس ‘ إبراهيم رئيسي ‘ الأول أثناء حملته الإنتخابية في 27 ماي على القضايا الإقتصادية الجارية وأهمية الحكم الرشيد لإنعاش الإقتصاد الإيراني ، وتعهَّد بمنح قروض منخفضة الفائدة للأسر الفقيرة وبناء 4 ملايين منزل وخلق 4 ملايين فرصة عمل وإعطاء الأولوية لذوي الدخل المنخفض والخريجين الجُدد من الجامعات والمعاهد ، ولكن مع إنقضاء ما يقارب العام على حكمه ، يظهر أن ما وعد به بعيد عن التنفيذ في المستقبل القريب ، حيث تحتاج الحكومة الإيرانية إلى الحصول على أموال كافية من بيع السندات الحكومية وعائدات النفط أو عائدات الضرائب لتحقيق الوعود المذكورة أعلاه ، ومع تفاقم الأوضاع نتيجة التضخُّم العالمي والحرب الأوكرانية ، فإن تحقيق أهداف الرئيس “رئيسي” الإقتصادية تصبح أكثر صعوبة ، ويمكن إرجاع أسباب إرتفاع التضخم جزئيا إلى العجز المتزايد في ميزانية الحكومة ، التي تراجعت مواردها مع تراجع صادراتها من النفط والغاز نتيجة العقوبات الدولية المفروضة ، وهو ما أضطرها إلى تخفيض قيمة الريال الإيراني ، والأقتراض من البنك المركزي لزيادة الإمدادات النقدية للدولة ، ما زاد معدَّل التضخم السنوي للمواد الغذائية وصولا إلى 65% ، ومن جهة أخرى ، تظل الصناعات المحلية مُنهَكة بسبب التكنولوجيا القديمه وعمل البنوك وشركات الصرافة الغير متطور وتكنولوجيا الإتصالات والمعلومات ألتي لم تواكب تطورات العالم في هذا المجال ، وصعوبة إستجلاب غيرها أيضاً بسبب العقوبات الدولية المفروضة ، ما يترك القطاع النفطي وحده القادر على تحقيق النمو لكنه نموه بطئ ، ومن ثمَّ يجعل إقتصاد البلاد رهينة المفاوضات بينها وبين القوى العالمية السِّت ، كما أنه وعلى مدار السنوات الماضية ، شهد الإقتصاد الإيراني جولات مدٍّ وجَزْر إعتماداً على شدة العقوبات الغربية ونوعيتها ، التي أمكن أن تُخفِّض الناتج المحلي ، وأن تزيد من التضخُّم وتهوي بالعُملة المحلية ، وقد كانت فترة الرئيسين “باراك أوباما” و”دونالد ترامب” الأشد ضررا على الإقتصاد الإيراني ، ففي عهد أوباما من عام 2012 إلى عام 2015 حتى توقيع اتفاق فيينا ، إنخفض الناتج المحلي الإيراني بنسبة 0.8% سنويا في المتوسط ، بينما وصلت معدلات البطالة والتضخم إلى 11.1% و27% على التوالي ، علاوة على ذلك ، إنخفضت قيمة الريال الإيراني بنسبة 23% سنويا طيلة هذه الفترة ، فيما كانت صناعات النفط والغاز الطبيعي والصناعات الغذائية والكيميائية والدوائية والسيارات والشحن وبناء السفن والطيران الأكثر تضرُّرا ، أما في عهد ترامب ، فعانت إيران الصعوبات الكبيرة بسبب الحظر النفطي الذي فرضته واشنطن ، بالإضافة إلى آثار جائحة كورونا ، وأنخفضت أسعار النفط نفسها قبل أن تتمكَّن إيران من زيادة صادرات النفط إلى 1.7 مليون برميل يوميا بيعت بالأساس إلى الصين ، ومن بعدها شهد الإقتصاد الإيراني نموّا معتدلا ، ونتيجة لما سبق أعلاه ، يواصل الإقتصاد المتردي دفع وتيرة الإحتجاجات الموجه من دول الكفر والإستكبار ، بينما تواصل الحكومة محاولات إحتوائها وضبط النفس برغم من أعمال الشغب والتخريب للمتلكات العامة والمراكز الأمنية والصحية والتعليمية بالوعود تارة ، وأستخدام القوة تارة أخرى ، لكن المشكلات الإقتصادية المتأصلة تُنذِر بتجدد الإضطرابات مرة بعد مرة ، لا سيَّما مع تعثُّر مفاوضات تجديد الإتفاق النووي ، وتراجع شعبية الرئيس ” إبراهيم رئيسي ” وحكومته التي ستخضع لأمتحان جديد وصعب في الإنتخابات الرئاسية لعام 2025 .

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

Related posts

قبيل افتتاح الدورة الاخيرة … 4 مرشحين لرئيس النواب و6 للنائب الاول و5 للثاني

daw daw

رئيس بلدية رفح: أي عمل عسكري بالمدينة سيؤدي إلى مجزرة وحمام دم

daw daw

الحكم على 5 اشخاص بالسجن لحصولهم على قرض بقيمة 34 الف دينار باوراق مزورة

daw daw