
وكالة تليسكوب الإخبارية / بقلم: موسى الدردساوي mdardasawi@yahoo.com
في الأمس، كانت جدران البيت الأبيض شاهدة على لقاء جمع بين الرئيس الأمريكي ترامب وجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، يرافقه ولي عهده الأمين. حمل هذا اللقاء في طياته اختلافاً جوهرياً في الرؤى حول مستقبل قطاع غزة.
كنت أتابع عبر التلفاز، كما فعل ملايين الأردنيين والعرب، التصريحات والردود على مقترحات تبدو بعيدة عن احترام الحقوق الأساسية للفلسطينيين، حينما أكد ترامب عزمه على “أخذ” غزة، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ستتولى إدارتها وتطويرها اقتصادياً، بما في ذلك بناء فنادق ومكاتب سكنية. كما أشار إلى إمكانية إعادة توطين الفلسطينيين في “قطع أراضٍ” بالأردن ومصر، معبراً عن ثقته في التوصل إلى اتفاق مع هاتين الدولتين.
من جانبه، وبكل يقين وحرص على صون المبدأ والعدالة، شدد جلالة الملك على ضرورة احترام الشعب الفلسطيني في غزة، معرباً عن رفضه القاطع لفكرة نقل الفلسطينيين منها، مؤكدًا أن إعادة إعمار غزة دون تهجير سكانها يجب أن تكون الأولوية. وأوضح أن الدول العربية ستقدم مقترحاً بديلاً لمعالجة الوضع في غزة، مشدداً على ضرورة تحقيق سلام عادل يستند إلى حل الدولتين، ومُعززاً مواقف الأردن الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ودافعاً بحزم عن الهوية الوطنية ومصالح الشعب الأردني الذي طالما رفض فكرة التهجير بأي شكل كان.
لقد جاءت تصريحات الملك، التي تضمنها قوله: “العرب سيأتون إلى أمريكا”، بمثابة رسالة واضحة بأن الدول العربية ستتحد في مواجهة أي محاولة لتغيير معادلات العدالة وإلحاق الضرر بحقوق الشعوب، خاصةً فيما يتعلق بمسألة تهجير الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي حاول فيه ترامب تقديم رؤيته المثيرة للجدل، ركز خطاب الملك على إيجاد حلول تحترم حقوق الإنسان وتحافظ على توازن الاستقرار في المنطقة، مع التأكيد على أهمية التعاون العربي لتقديم بدائل عملية ومستدامة بعيداً عن الانتقال القسري.
وللأسف، لم تخلُ الأجواء الإعلامية من محاولات لتشويه الصورة الحقيقية للقاء؛ إذ استُغلّت الأوضاع السياسية لتضخيم “خطة ترامب” على حساب تصريحات الملك الجليلة، مما أدى إلى تقديم موقفه – الذي يعكس الإجماع العربي برفض التهجير – بشكل مبهم. وفي هذا السياق، لفت انتباهي الدور الذي لعبته بعض وسائل الإعلام الدولية، وعلى رأسها قناة الجزيرة، التي قامت باقتطاع الترجمة الفورية للمقابلة وتعديل أجزاء جوهرية من التصريحات التي كان من شأنها أن تؤكد على رفض الملك لأي مقترح يؤدي إلى تهجير الفلسطينيين بشكل دائم. ولم يكن هذا التلاعب في الترجمة عبثاً، بل استُغل في محاولة لتغيير موضوع النقاش وإقناع الجمهور بأن الحل البديل هو الانتقال القسري عن غزة.
وبينما كنت أتابع هذه التطورات، كان واضحاً لي أن الشعب الأردني، الذي لطالما أظهر دعمًا كبيرًا لجلالة الملك وموقفه الثابت، يقف رافضاً لأي محاولات لتغيير معادلات العدالة أو الإضرار بالحقوق التاريخية لشعبه وشعب الفلسطيني.
إن ما حدث في هذا اللقاء لم يكن مجرد مؤتمر صحفي، بل كان تجسيداً لرؤية مختلفة تتماشى مع الحفاظ على الكرامة والحقوق الأساسية، وهي رؤية يتبناها جلالة الملك ويرتكز عليها الأردن بكل وضوح وثقة.
وبناءً عليه، أطالب قناة الجزيرة بإعادة ترجمة وبث مقابلة جلالة الملك مع الرئيس الأمريكي التي أُذيعت ليلة أمس، وتقديم اعتذار رسمي للأردن عن الخطأ في الترجمة الذي شَوَّه مضمون الحديث، والذي استغله البعض للتشكيك في موقف الأردن عبر كافة وسائل الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
مما يتطلب منا وقفة جادة لإعادة الحق إلى نصابه وتصحيح الصورة الإعلامية.
وفي النهاية، يبقى هذا اللقاء شهادة على أن الحق والعدالة هما المعياران اللذان لا يمكن التهاون بهما، وأن الشعب الأردني سيظل دائماً على أهبة الاستعداد للدفاع عن حقوقه ومصالحه بكل قوة وإصرار.