Ad image

آيلة تهمس لحواس.. والعقبة تُفصح عن سرّ فرعوني في وادي رم

admT2
4 Min Read

العقبة وكالة تليسكوب الإخبارية متابعة موسى الدردساوي

في نهار عقباويٍّ دافئٍ، غلّفه النسيم البحري العليل برائحة الملح والذكريات، كانت العقبة على موعد مع حدثٍ ثقافيٍّ استثنائي. لم تكن الزيارة عادية، ولم يكن الضيف عادياً، بل كان أحد أبرز رموز علم الآثار في العالم العربي والعالم بأسره: الدكتور زاهي حواس، الرجل الذي حمل قبعة المغامرين فوق رأسه وعشق الرمال التي تحفظ أسرار الأزمنة الغابرة.

وصل حواس إلى العقبة، المدينة التي تقع على مرمى موجة من البحر الأحمر، حيث استُقبل بحفاوةٍ لائقةٍ بمكانته من وزيرة السياحة والآثار الأردنية لينا عنّاب، ومن رئيس مجلس مفوضي سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة نايف الفايز. لم تكن الزيارة بروتوكولية، بل بدت كأنها رحلة قلبٍ وبصيرة، رحلة بحثٍ عن الدهشة في طيات التاريخ، وعن الحكايات المنسية في زوايا المواقع الأثرية التي تنبض بالحياة.

قادته قدماه أولاً إلى موقع آيلة الإسلامية، المدينة التي تعد ثاني حاضرة إسلامية تنشأ خارج الحجاز. هناك، بين أطلال الحجارة الصامتة، بدا الدكتور حواس كمن يقرأ كتاباً قديماً يعرفه مسبقاً لكنه يكتشف فيه سطراً جديداً كل مرة. لم تكن عيناه تبحثان عن صورٍ فوتوغرافية، بل كانتا تغوصان في عمق الزمان، تستعيدان الخطوات الأولى لأولئك الذين مرّوا من هنا قبل ألاف السنيين. في آيلة، وجد ما يهمّه ويثير شغفه: التاريخ الحي، الإنسان المندثر في التراب، والمدينة التي لا تزال تشهد على تقاطع القوافل والحضارات.

ولم تتوقف الرحلة عند آيلة، بل امتدت إلى موقع الكنيسة البيزنطية في العقبة، هناك حيث تعانق الأديان والحقب، وتتكامل فسيفساء الوجود البشري في هذه الرقعة من الأرض. بين جدران الكنيسة المهترئة من الزمن، أطلّ الدكتور حواس على تفاصيل المشهد كمن يصغي إلى تراتيل قديمة ما تزال تهمس بها الحجارة. وأمام أعين الصحفيين والمرافقين، لم يُخفِ إعجابه بما رآه، بل عبّر بإيمان العارف بأن هذه المدينة تملك من الجاذبية التاريخية ما يجعلها محطة مفضلة لعشاق الآثار الإنسانية حول العالم.

كذلك شملت الزيارة قلعة العقبة، التي وصفها حواس بأنها “واحدة من الحصون القليلة التي جمعت بين الطابع الدفاعي والمشهد الحضاري في آن”، متأملاً في تفاصيلها المخبأة بين الزوايا والعصور.

ومثلما تنفرد العقبة بجمال بحرها ودفء شمسها وشعابها المرجانية النادرة، فإنها اليوم تفتح ذراعيها لتاريخٍ لا يقل بريقاً عن زرقة البحر. ولعل وجود شخصية كحواس، وهو أحد أبرز من حملوا رسالة حماية التراث الإنساني، يمنح هذا التاريخ صوتاً أعلى في المحافل الدولية. كان واضحاً أن زيارته لم تكن مجرد مرور عابر، بل كانت بمثابة اعتراف صريح بأن للعقبة دوراً قادماً في خارطة السياحة الأثرية العالمية.

وعلى هامش هذه الزيارة، كانت وزارة السياحة الأردنية قد أعلنت عن كشف أثري جديد في منطقة وادي رم، يعود إلى الحقبة الفرعونية وبالتحديد إلى عهد الملك رمسيس الثالث. الكشف لم يكن عادياً، إذ إنه يفتح نافذة على العلاقات التجارية القديمة بين مصر الفرعونية وشبه الجزيرة العربية عبر الأردن، مما يعيد رسم خرائط الحضارات بخيوط جديدة تعبر وادي رم وتصل حتى آيلة.

ما حدث اليوم لم يكن مجرد جولة ميدانية، بل كان التقاءً حقيقياً بين حاضرٍ يعتني بإرثه، وماضٍ ما زال يبوح بأسراره على مهل. وبين ابتسامات الاستقبال الرسمي، ونظرات التأمل في وجه الدكتور حواس، شعر كل من كان هناك أن العقبة كتبت صفحة جديدة في دفتر حضورها الثقافي والإنساني، وأن المدينة التي اعتاد الناس أن يقصدوها للاستجمام، باتت تُفتح لها بوابة جديدة نحو العقول والقلوب الباحثة عن قصة الإنسان الأولى.

في عيون حواس، كانت العقبة تلمع لا كمدينة على الخريطة، بل كأثر حيّ يمشي على أرضه الحاضر والمستقبل.

Share This Article