Ad image

الهوية الوطنية.. جسرٌ.. أم سيف؟!..

dawoud
3 Min Read

وكالة تليسكوب الإخبارية
سأقترب من هذا المفهوم الحساس.. لا كما يُرفَع شعاراً.. بل كما يُمارَس سلوكاً.. في تفاصيلنا اليومية.. قبل خُطَب المناسبات.. فهل نُحسن الموازنة بين ما نُظهر.. وما نُضمر؟!..

الهوية الوطنية ليست بطاقة تعريف.. ولا شعاراً يُرفع عند الحاجة.. ولا قميصاً يُرتدى حين تُلوّح الريح بالانتماء.. بل هي شعور دفين يتجذر في الأعماق.. يتغذى من عدل الدولة.. قبل شعاراتها.. ويزهر حين يشعر الإنسان.. أن كينونته الكاملة.. بثقافته.. ولهجته.. وميله.. وتاريخه.. محترمةٌ ومحفوظةٌ في وعاء الوطن الكبير..

في بلدنا الغالي.. حيث تتلاقى أصولٌ متعددة.. فوق ثرى واحد.. يغدو الحديث عن تعميق الهوية الوطنية.. حديثاً ذا حساسية خاصة.. ولذا كان لزاماً علينا.. أن نقترب من هذا المفهوم بحذر المحب.. لا بعصبية المتحفّز..

فهل يمكن مثلاً.. أن تُقاس الهوية بطريقة نطقنا.. أو بلهجتنا؟!.. أو بمن ننتخب.. أو مَن نشجّع.. أو ننتمي له فكرياً أو ثقافياً؟!.. وهل من المقبول.. أن يُحتكر الحديث عن الهوية من طرف دون الآخر؟!.. أو أن تُقام الندوات التوعوية.. برعاية جهةٍ واحدةٍ مثلاً.. وكأنها الوصي على الوطنية؟!..

الهوية الحقة.. لا تُنتجها اليافطات.. ولا تنبت من ميكروفونات الخطابة.. بل من كل لقاءٍ صادقٍ يجمع كافة أطياف هذا الثرى المبارك.. ويجلس فيه الجميع دون خوفٍ.. ولا تهميشٍ.. ولا وصاية.. فيتكلم فيه الأردني الشمالي.. والجنوبي.. ابن المخيم.. وابن البادية.. ابن القرية.. وابن المدينة.. بذات الصوت.. والحق.. والمكانة..

ومن المؤسف.. أن يصبح الميول الرياضي -على سبيل المثال- سبباً للطعن في الانتماء.. وكأن تشجيع فريقٍ ما.. يمكن أن يُلغي حب الوطن.. أو أن دعم لاعبٍ دون آخر.. يسلب صفة الوطنية.. فبأي منطق يُصنّف الإنسان تبعاً لمَن شجّع؟!.. ومن أي باب يُقاس الولاء.. أبعدد المرات التي صفّق فيها؟!..

الأخطر من ذلك كله.. أن يتم فرز المواطنين عند كل حادثة تقع على الأرض الأردنية.. فإن كان الفاعل من مكوّن ما.. عُمّمت التهمة على ذلك المكوّن بأكمله.. أما إن كان من مكوّن آخر.. حُصرت المسؤولية في شخصه.. أفلا يُعدّ هذا معياراً مزدوجاً.. يفتك بجوهر الانتماء؟!..

إن الغلو في استخدام هذا المفهوم دون وعي.. قد يقود إلى نتائج عكسية.. تفكك النسيج.. بدل أن ترمِّمه.. وتزرع بذور الشك.. بدل أن تُنبت الثقة..

فهل نُبقي على هذا المفهوم كجسرٍ يوصل بين القلوب.. أم نسمح للبعض أن يحوّله إلى سورٍ يفصل بينها؟!..
وهل نعي.. أن الغلو في استخدام لفظ الهوية.. دون وعيّ بمآلاته.. قد يُنتج تشرذماً أكبر مما يُنتج انتماءً؟!..

فالهوية ليست سؤالاً نطرحه في ندواتٍ موسمية.. بل اختبارٌ يوميّ.. نعيشه في المدرسة.. وفي المؤسسة.. وفي الحارة.. وفي الملعب.. والشارع.. والقرار.. فإن نحن نجحنا.. في أن نمنح الجميع مكاناً.. لا هامشاً.. واحتراماً.. لا مجرد اعتراف.. نكون قد اقتربنا من صياغة هويةٍ وطنيةٍ.. لا تقبل القسمة.. أما إن أبقيناها سيفاً.. يشهره البعض في وجه البعض.. فسنستيقظ يوماً على وطنٍ يتكلم بلغةٍ واحدة.. لكنه لا يسمع بعضه..

محمود الدباس – أبو الليث..

Share This Article