Ad image

الطفلة التي صدمتها السيارة… قتلتها الوجوه التي كانت تمسك بهواتفها

admT2
3 Min Read
صورة تعبيرية

بقلم: موسى الدردساوي

أنا جوان، يمكنكم أن تنادوني بهذا الاسم الصغير الذي كان يملأ بيتنا ضحكًا وضوءًا. كنت أحب الأرجوحة، ودفاتر التلوين، وطعم البوظة في عزّ الصيف. كنت أركض وأقع وأضحك، وأحلم بلبس الفستان الوردي في حفلة المدرسة القادمة. لم أكن أعرف أن الطريق الذي مشيت فيه في ذلك اليوم، سيكون طريقي الأخير.

سمعت صرخة، ثم ضوء قوي، بعدها ارتطم جسدي الصغير بالأرض. أحسست بالبرد، وبالوجع الذي لا يُحتمل، ثم بدأت الأشياء من حولي تتلاشى.

ما حدث لي لم يكن مشهدًا في فيلم، لكنه صُوّر كما لو أنه كذلك. دهسني سائق بلا قلب، وفرّ مسرعًا، وكأن شيئًا لم يكن. بقيتُ هناك على الأرض، أنزف ببطء، أنظر إلى الوجوه التي كانت تمسك بهواتفها، تُوثّق، تُقرّب العدسة، تُعدّل الزاوية… لكن لم تقترب يد واحدة لتحاول إنقاذي. لم يركض خلفه أحد. لم أسمع أحدًا يصرخ “أنقذوها!”. فقط صوتي الذي خفت شيئًا فشيئًا، وعيوني التي أُغلقت على سؤال كبير: أين كانت الإنسانية؟

كنت أظن أن الكبار يحمون الصغار. أن الشوارع آمنة بعد المدرسة. أن الناس يركضون لإنقاذ حياة، لا لالتقاط “مشهد ترند”. لكنني كنت مخطئة، وكان ذلك الدرس الأخير.

لم أطلب من هذا العالم أكثر من قليل من الأمان. لم أكن عدوًا لأحد، ولا عبئًا على أحد، فقط طفلة تحب الحياة، وتملك أحلامًا صغيرة تكبر معها. لكنّ العالم قرر أن يتركني وحيدة في لحظة وجعي، وأن يختصرني في لقطة، في مشهد عابر في هواتف الغرباء.

أنا الآن لست هنا، لكنني لست غائبة تمامًا. أنا في ضمير من قرأ قصتي وبكى، في قلب أمّ لم تنم تلك الليلة، في نظرة أب خائف على أطفاله. صوتي، وإن كان خافتًا، صار صرخة لا بد أن تُسمع: لا تجعلوا الألم مشهدًا عاديًا. لا تتركوا إنسانيتكم تتآكل خلف عدسة كاميرا.

أرجوكم، لا تتركوني أذهب سدى. حاسبوا من دهسني، ومن وثّق موتي بدلًا من إنقاذي، ومن صمتوا حين وجب الصراخ. لا تسمحوا لطفلة أخرى أن ترحل كما رحلت. اجعلوا من قصتي بداية لقانون، لبداية وعي جديد، لحياة لا تُفقد بهذه السهولة. اجعلوني آخر الضحايا، لا مجرد رقم جديد في نشرة الأخبار.

أنا جوان، بنت بسيطة، رحلت مبكرًا… لكن صوتي، لا يزال هنا، بينكم.

Share This Article