وكالة تليسكوبالاخبارية
في ظل الحصار المستمر، والقصف المتواصل، والأزمة الاقتصادية الخانقة، تواجه آلاف العائلات في قطاع غزة كارثة إنسانية حقيقية تتمثل في فقدان حليب الأطفال والخدّج وحفاضات الرضع من الأسواق، ما يعرض حياة الصغار لخطر سوء التغذية الحاد ومضاعفاته الصحية الخطيرة.
ولا يتوفّر الحليب العادي ولا العلاجي في مستشفيات القطاع، جراء منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال أي شحنة حليب منذ نحو أربعة أشهر.
يوم الخميس الماضي، أطلق مستشفى الرنتيسي في مدينة غزة نداءً عاجلًا للتدخل الفوري لوقف الكارثة التي تهدد حياة مئات الأطفال نتيجة الانقطاع التام للحليب. وأكد المستشفى أنه لا يمتلك حاليًا أي علبة حليب واحدة، رغم استقباله يوميًا عشرات الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وضعف الامتصاص.
بكاء بلا توقف
في إحدى المدارس غرب غزة، تحاول أم يوسف، النازحة من حي الشجاعية، تهدئة رضيعها الباكي الذي تجاوز شهره الثاني دون أن يحصل على وجبته الكاملة من الحليب منذ أيام. تقول الأم البالغة من العمر 27 عامًا:
“كان الحليب متوفرًا بصعوبة، لكنه اختفى تمامًا منذ أسابيع. وإن وُجد، فإن ثمن العلبة الواحدة يتجاوز 150 شيكلًا، وأنا لا أملك سوى قوت يومي”.
وتضيف:”ولد ابني بوزن ناقص، ويحتاج إلى الحليب الصناعي ليصل إلى الوزن الطبيعي، خاصة في ظل حرمان الأمهات من الغذاء الكافي، ما جعل الرضاعة الطبيعية غير كافية ولا مشبعة”.
وتتابع بألم:”بعت هاتفي المحمول وأدوات المنزل لأشتري له الحليب. والآن، لم أعد أجد الحليب، وطفلي معرض للخطر. يبكي طوال الليل، ولا أجد له جوابًا سوى دموعي”.
لا تقتصر الأزمة على الحليب فقط، بل امتدّت لتشمل حفاضات الأطفال، ليطال حصار الاحتلال حتى أبسط مستلزمات الرضع. إذ يُعد شراء الحفاضات من الحقوق الأساسية، لكنها تحوّلت اليوم إلى عبء ثقيل لا تستطيع غالبية العائلات تحمّله.
تقول أم لؤي، وهي أم لأربعة أطفال:”أستخدم قطع قماش قديمة بدلًا من الحفاضات. ابني يعاني من التهابات متكررة، لكنني عاجزة. هل يرضى أحد أن يعيش طفله بهذه الطريقة؟”
وتتابع:”وصل ثمن الحفاضات والحليب إلى أرقام خيالية! ما ذنب الرضع؟ هل ينتقم الاحتلال منهم أيضًا؟ تأكدنا أن كل مؤسسات حقوق الإنسان، وكل حديث عن حقوق الطفل، لم يكن سوى كذبة. ففي غزة، يفقد الأطفال أبسط احتياجاتهم التي تمكّنهم من البقاء على قيد الحياة”.
تحذيرات من كارثة
يحذّر الأطباء من أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى ارتفاع نسب سوء التغذية والوفاة بين الأطفال الرضّع في قطاع غزة خلال الأسابيع المقبلة.
كما تعاني المستشفيات الحكومية والمؤسسات الصحية، المحلية والدولية، من انعدام تام في حليب الأطفال، سواء العادي أو العلاجي، بسبب منع الاحتلال دخوله إلى القطاع منذ أربعة أشهر.
وتتفاقم هذه المخاطر بشكل خاص لدى الرضّع والمواليد الخدّج، بالتزامن مع معاناة الأمهات من سوء التغذية وعدم القدرة على الرضاعة الطبيعية.
بدوره قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، الدكتور إسماعيل الثوابتة، في تصريح صحفي “الأطفال يشكلون النسبة الأكبر من الضحايا المحتملين في المرحلة القادمة، نظرًا لهشاشة أجسادهم وعدم قدرتهم على الصمود أمام هذا الحصار الغذائي الخانق، مما يضع جريمة الحصار وإغلاق المعابر في مصاف جرائم الإبادة الجماعية”.
وأضاف:”الأطفال يُتركون وحدهم في مواجهة آلة الموت البطيء: بلا غذاء، ولا دواء، ولا ماء نظيف، ولا حتى حليب للرضع”، متهمًا إسرائيل بارتكاب ما سماه “جريمة إبادة صامتة بحق أطفال غزة باستخدام سلاح التجويع”.
في غزة، حيث تتوالى الأزمات بلا انقطاع، تقف آلاف الأمهات والآباء عاجزين أمام صرخات أطفالهم، يحملون قلوبهم المثقلة بالعجز وسط عالمٍ أصمّ تجاه معاناتهم.