وكالة تليسكوب الإخبارية – كتب أ.د. محمد الفرجات
في خضم ما تشهده المنطقة من تحديات وجودية، وما حملته تصريحات قادة الاحتلال من أطماع توسعية تتجاوز حدود فلسطين لتطال الأردن ومصر، ينهض الأردنيون اليوم بمطلب تاريخي ووطني جامع: استعادة مسلة وكتابة ملكهم التاريخي ميشع، ملك مؤاب، المحفوظة في متحف اللوفر الفرنسي.
هذه المسلة، التي تُعد وثيقة تاريخية فريدة تؤرخ لجذور الحضارة الأردنية ولأول نص سياسي ملكي في تاريخ المنطقة، لم تعد مجرد أثر قديم في عيون الأردنيين، بل رمز سيادة ومنعة ورسالة إلى العالم بأن لهذا الشعب جذورًا راسخة تضرب في أعماق التاريخ.
إن استعادة المسلة ليست ترفًا ثقافيًا ولا مطلبًا عاطفيًا؛ بل هي ضرورة استراتيجية لتعزيز هوية الأردنيين، وتحصين وعيهم الوطني، وتأكيدا على عمقهم الضارب في جذور التاريخ المشرف، في مواجهة المشاريع التي تستهدف حاضرهم ومستقبلهم.
وفي لحظة إقليمية ملتهبة يسعى فيها العدو لإعادة صياغة خرائط الأرض والوعي، تصبح عودة المسلة إلى موطنها الأصلي في ذيبان فعل مقاومة حضارية وتاريخية بامتياز.
ويؤكد الأردنيون أن المسلة، حال استعادتها، ستُهدى إلى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، هدية من ملك تاريخي إلى ملك باني نهضة، وشعبه العظيم العتيد.
وسيُقام لها صرح مهيب في موطنها الأصلي بالأردن، لتبقى شاهدًا على عمق الحضارة التي أبدعها الأردنيون على مر العصور.
ولأن التاريخ لا ينسى، فإن الأردنيين يربطون اليوم بين رسالة ميشع التي تحدت قوى عصرها، وبين نهج الدولة الأردنية الحديثة التي أسسها الهاشميون وحصنوها عبر قرن من التضحيات والبناء. فمن معركة الكرامة الخالدة التي كسرت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، إلى مواقف الأردن الثابتة في الدفاع عن القدس والقضية الفلسطينية، يتجسد الرابط بين الماضي والحاضر في إرادة شعب عظبم وقيادة عظيمة تعرف طريق المجد والسيادة.
إن مطالبة فرنسا اليوم برد المسلة هي نداء حق وتاريخ وعدالة، وهي رسالة إلى العالم بأن الأردن، بشعبه وقيادته، لا يقبل أن تبقى رموزه رهينة وراء البحار. إنها دعوة لتصحيح مسار تاريخي، وتوطيد أركان الوعي الوطني، في مواجهة مشاريع الإلغاء والطمس والأطماع الإقليمية، ولتعزيز منعة وطنٍ يعرف كيف يصون تاريخه ويبني مستقبله.