وكالة تليسكوب الاخبارية
إذا صحّ كثير، أو حتى قليل، من التسريبات الإسرائيلية حول خطة النقاط الـ21 الأمريكية الهادفة إلى «إنهاء الحرب في غزة» حسب تعبير أقنية البيت الأبيض، فإن أكثر من نصف النقاط قد تتطلب مفاوضات شاقة ومعقدة وقابلة للتعطيل والفشل، خاصة تلك التي سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن أعرب عن رفضها بصفة مطلقة وقاطعة.
على سبيل المثال الأول، ولعله الأبرز ضمن تفاصيل التسريبات، تشير النقطة 20 إلى أنه، بعد التقدم في إعادة تنمية غزة وتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية، «يمكن إنشاء ظروف تتيح مدخلاً ذا مصداقية نحو حالة دولة فلسطينية، يُعترف بها كمطمح للشعب الفلسطيني». ورغم التعابير المصاغة على نحو غامض متعمد كما يبدو، فإن النص يشكل سابقة لدى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بصدد فكرة الدولة الفلسطينية أو حل الدولتين.
لكن هذه النقطة تبقى مستعصية تماماً أو مستحيلة التنفيذ بالنظر إلى رفضها من جانب رئيس حكومة الاحتلال، الذي حرص خلال خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة على التأكيد بأن إقامة دولة فلسطينية اقتراح «مجنون»، و«لن نسمح بزرع دولة إرهابية في حلوقنا». كذلك اعتبر نتنياهو أن منح الفلسطينيين دولة على مبعدة ميل من القدس، أشبه بإعطاء منظمة «القاعدة» دولة على مبعدة ميل من نيويورك.
وفي مثال ثانٍ، تشير النقطة 12 إلى أن «أحداً لن يُجبر على مغادرة غزة» وهذا تراجع صريح عن اقتراح أحمق سبق أن قال به ترامب نفسه في شباط (فبراير) الماضي حول استملاك أمريكي للقطاع وتحويله إلى منتجع على غرار شواطئ الريفييرا الفرنسية. لكن الفقرة الثانية في النقطة ذاتها تكاد أن تُبطل الفقرة الأولى حين تنصّ على السماح بالعودة لأولئك الراغبين في المغادرة، الأمر الذي يعني تشجيعاً ضمنياً لهم على الرحيل ما دام الرجوع إلى القطاع ممكناً.
أما النقطة 8، التي تتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، فإنها للوهلة الأولى تبدو عالية التفهم لحاجات القطاع، إذ تستكمل النقطة السابقة لها في اشتراط ما لا يقل عن 600 شاحنة يومياً، لكنها تُبقي على مقدار غير قليل من الغموض المتعمد حين تحتفظ بمنفذ يتيح بقاء «مؤسسة غزة الإنسانية» التي لم تعد خافية ارتباطاتها بدولة الاحتلال وتحوّلها إلى مصيدة موت لطالبي المساعدات، وجهاز يساعد الجيش الإسرائيلي في تنفيذ جرائم حرب الإبادة في القطاع.
النقطة 15 ليست غامضة بدورها وفضفاضة فحسب، بل هي غير قابلة للتجسيد على الأرض ضمن المنطق الذي يحكم إنشاءها أصلاً، إذ كيف تفهم صياغة تسير هكذا: «سوف تعمل الولايات المتحدة مع شركاء عرب ودوليين على تطوير قوة استقرار دولية سوف تنتشر فوراً في غزة للإشراف على الأمن في القطاع»؟ وكيف يمكن أصلاً ضمّ وتدريب «قوة شرطة فلسطينية» حسب الفقرة ذاتها، إذا كان نتنياهو يرفض تماماً التعامل مع السلطة الفلسطينية أو أي تمثيل لها في القطاع؟
هذه مجرد أمثلة على خطة أمريكية يلوح أنها ولدت ميتة حتى على الورق، وقبل أن تُجهز عليها حسابات نتنياهو التي أخضعت وتخضع حرب الإبادة في القطاع إلى أجندات رئيس حكومة الاحتلال الشخصية والحزبية والقضائية.