وكالة تليسكوب الإخبارية
لا شيء يُحرّك هذا الرجل عبثاً..
ولا يبدو أن مشيته المتثاقلة.. وصوته الذي يخدش الهدوء السياسي.. هو مجرد عرضٍ مسرحيّ لسياسي يعشق الاستعراض..
فترامب الذي يظنه البعض أحمقاً.. يبدو أنه يسير وفق خطة كُتبت قبل أعوامٍ.. بهدوء.. ولكن.. بقصد الزلزال..
أوراقٌ قليلة في عددها.. خطّها رجل يُدعى ستيفن ميران.. والذي شغل منصباً رفيعاً في وزارة الخزانة الأمريكية.. وصار اسمه اليوم.. جزءاً من سردية قادمة.. لتغيير قواعد اللعبة..
ورقته التي تحمل عنواناً بسيطاً.. “دليل المستخدم.. لإعادة هيكلة النظام التجاري العالمي”.. لا تبدو مجرد تأملات أكاديمية.. *بل خريطة طريق.. يجري تطبيقها حرفياً*.. بأدوات ترامب.. وخطابه.. وخلافاته المصنوعة.. بل وحتى بجنونه المحسوب..
*المفارقة أن من يقرأ هذه الورقة.. ثم ينظر إلى قرارات ترامب.. لا يستطيع أن يقول إن الرجل مرتجل.. بل يبدو وكأنه قرأ سطور ميران.. مرات ومرات.. ثم قرر أن يخلع البدلة التقليدية للسياسة الأمريكية.. ويبدأ معركة إعادة التموضع العالمي.. بدءاً من جمارك.. إلى اتفاقيات.. إلى صدمات مع الحلفاء.. قبل الخصوم..*
ميران.. في ورقته تلك.. لم يضع فقط وصفاً لواقع التجارة العالمية.. بل رسم داءً.. ثم وصف دواءً.. دواءً قد يُنقذ الاقتصاد الأمريكي من حالة التآكل البطيء.. لكنّه في الوقت نفسه.. قد يُشعل الاقتصاد العالمي..
فالخطة التي تُعيد تصنيع خطوط الإنتاج.. وتُحجم الاستيراد.. لصالح الإنتاج المحلي.. تُشبه تحريك القطعة الأولى.. في دومينو ممتد على خارطة العالم..
*السؤال الآن الذي يدور في خلد المتابعين..*
هل هذه الخطة.. ستكون الشرارة التي تُنقذ أمريكا.. أم الشعلة التي تُحرق استقرار السوق العالمية؟!..
هل هي أملٌ بالخلاص من فوضى العولمة؟!.. أم بوابة ركود اقتصادي عالمي جديد؟!..
وهل نحن على أعتاب حرب تجارية تنتهي بحرب فعلية؟!..
*لا أحد يستطيع الجزم.. لكن التاريخ علّمنا.. أن الاقتصاد حين يُقهَر.. يستدعي الجنرالات..*
في ظل كل هذا.. يبقى السؤال المحلي والعربي..
أين نقف نحن من هذه التحولات؟!..
هل ننتظر النتائج.. ثم نُصفق.. أو نُندد؟!.. أم نعيد نحن أيضاً هندسة علاقاتنا الاقتصادية والتحالفية.. بما يحمينا من الارتدادات المقبلة؟!..
*هنا.. يجب أن نوجّه الكلام لصانع القرار الأردني تحديداً..*
فالعالم يُعاد تشكيله.. والنظام التجاري الذي أُسس بعد الحرب العالمية الثانية.. قد لا يصمد طويلاً..
وإن كان ترامب يُهيئ بلاده لعصر جديد.. فعلينا نحن.. أن نُهيئ أنفسنا للاحتمالات كلها..
*الأردن لا يملك ترف الانتظار.. ولا يمكنه البقاء على هامش الاقتصاد المتغير*.. فرصتنا في بناء جسور استراتيجية.. مع الدول العربية المحورية.. كالسعودية والعراق ومصر وسوريا.. ليست ترفاً سياسياً.. بل ضرورة وجودية..
فنحن لا نملك النفط ولا الإنتاج الضخم.. لكننا نملك الموقع.. والقدرة على أن نكون نقطة وصل حقيقية.. بين مشاريع الإقليم الاقتصادية.. إذا أحسنا التموضع وقراءة المشهد.
التكامل العربي الاقتصادي.. لم يعد حلماُ رومانسياً.. بل صار ضرورة.. تفرضها تحولات لا ترحم الصغار.. ولا تنتظر المترددين.. وإذا ما استثمرنا في الموانئ.. والربط اللوجستي.. والصناعات التكميلية.. وبنينا شراكات ثنائية حقيقية.. مع كل من مصر والخليج والعراق وسوريا.. فسنكون قد أنقذنا أنفسنا.. من أن نكون ضحايا لعبة كبارٍ.. نكتفي بتحليل نتائجها على الشاشات..
وإن تجاهلنا هذه التحولات.. فإننا سنجد أنفسنا بعد سنوات.. أمام طاولة قرارات.. لا مكان لنا فيها.. والأخطر.. أننا قد نكون إحدى ضحايا نجاح هذه الخطة.. أو فشلها..
فترامب.. لا يُلقي الحجارة في البركة عبثًا.. هو يملك الخريطة.. وربما يريد أن يُغيّر المجرى بالكامل..
محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷