
وكالة تليسكوب الإخبارية – مكتب العقبة – متابعة الإعلامي موسى الدردساوي
لم يكن المؤتمر الذي عُقد في العقبة يوم الأحد مجرّد محطة نقاشية عن التحول الرقمي وريادة النساء، بل كان لحظة التقاء بين التكنولوجيا والكرامة الإنسانية. هناك، على ضفاف بحر يذكّرنا بالامتداد والاحتمالات، تحدثت فيها العين آسيا ياغي لا بصفتها رئيسة لجنة الأشخاص ذوي الإعاقة في مجلس الأعيان فحسب بل لتفتح نافذة على تجربة عايشتها بكل جوارحها. تحدثت بصوت امرأة لم تكن شاهدة على التحديات فحسب، بل كانت جزءًا منها، تسلّقت جدران الصمت وأسست من معاناتها رواية عن الأمل والإرادة والحق في أن يكون لكل إنسان مكانه في هذا العالم الرقمي المتسارع.
في تلك القاعة التي احتضنتها مدينة العقبة، لم تكن كلمات العين ياغي مجرّد ورقة عمل معنونة بـ”من التحدي إلى التمكين: كيف تصنع الرقمنة أثراً حقيقياً في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة”، بل كانت شهادة حيّة على أن التحول الرقمي ليس رفاهية في متناول الأقوياء فحسب، بل أداة نجاة، ومفتاح أبواب مغلقة لطالما أوصدها الجهل والتهميش.
بصوتٍ ينهل من تجربة شخصية عميقة، روت العين ياغي كيف كانت الرقمنة ـ لمن شاء أن يفهمها بعمق ـ شريان حياة. تحدثت عن العالم الرقمي كمساحة خالية من الأحكام، تتيح للمرأة ذات الإعاقة أن تُسمِع صوتها دون أن تُقاطع، أن تُعبّر عن ذاتها دون أن تُنظر بنقص، وأن تُبدع دون أن تُشفق عليها العيون.
“الرقمنة”، كما وصفتها، ليست تطبيقات ذكية أو منصات أعمال فقط، بل هي وعد بعدالة مفقودة، وجسر بين العزلة والاندماج. كيف لشاشة صغيرة أن تُغيّر مصير إنسان؟ الجواب كان في كل حرف نطقت به، وفي كل قصة حملتها معها من نساء ورجال تحدوا الصمت، ووجدوا في العالم الرقمي وطناً بديلًا لواقعٍ يرفض الاعتراف بوجودهم.
في ظل رعاية رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، وبمبادرة من السيدة رانيا حدادين ممثلة في مركز الريادة و من مركز “أرابيا للريادة والتمكين”، جاء المؤتمر كمحطة مضيئة في مسار التغيير، لكن كلمات العين آسيا جعلته أكثر من ذلك. جعلته لحظة اعتراف.
اعترفت المؤسسات – عبر مشاركتها – بأن الأشخاص ذوي الإعاقة، وتحديدًا النساء، لا يُمكن تمكينهم بخطابات فقط، بل بمنظومات رقمية عادلة. اعترفت بأن المستقبل لا يُكتب إلا إذا شارك الجميع في كتابته. وأن العدالة الرقمية لا تقل أهمية عن العدالة الاجتماعية.
ما بين تجاربها الشخصية وسردها المهني، لم تنسَ ياغي أن تذكّر الجميع بأن الدمج ليس هدية تقدّمها المجتمعات المتقدمة للضعفاء، بل هو استحقاق إنساني لا يحتمل التأجيل. الرقمنة، حين تنصف المهمشين، لا تصنع فقط فرص عمل، بل تصنع كرامة، واستقلالاً، وأماناً داخلياً هو أساس كل نهضة.
في نهاية كلمتها، لم تترك العين آسيا الحضور في دائرة التنظير. بل حملتهم معها إلى عوالم الأشخاص ذوي الإعاقة، أولئك الذين لا ينتظرون شفقة، بل أدوات. لا يبحثون عن إعفاءات، بل عن فرص عادلة. ختمت حديثها والقاعة تصغي بصمتٍ ثقيل إلى امرأة لم تُهزم، بل صاغت من تحديها خريطة أمل.
هكذا، غادرت آسيا ياغي المنصة. لكن صوتها ظل معلقًا في الهواء، كصدى يرفض أن يُمحى. وكأنها تقول: التمكين لا يبدأ من قوانين، بل من الإنصات الحقيقي. من الاعتراف بأن الإنسان، أياً كانت ظروفه، له مكان في هذا العالم… إذا ما أُعطي الوسيلة..