Ad image

في ذكرى الاستقلال الـ79: العقبة تجسيدٌ حيّ للرؤية الملكية في صناعة المستقبل

admT2
4 Min Read

بقلم: الإعلامي موسى الدردساوي

في الذكرى التاسعة والسبعين لاستقلال المملكة، تقف العقبة شاهدة على مشروع وطني حملته الرؤية الملكية بثبات، لتتحول من مدينة ساحلية هادئة إلى رئة اقتصادية نابضة، تمتد أنفاسها إلى الإقليم والعالم، في تجسيد حي لفلسفة الدولة التي ترى في الاستقلال مشروعًا متجددًا لا يتوقف عند حدود الإنجاز، بل يتجاوزها نحو صناعة المستقبل.

وتجسيدًا لهذه الفلسفة، أعلن جلالة الملك عبدالله الثاني رؤيته لتحويل العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة، لتنطلق المدينة في مسار جديد مختلف كليًا. لم تعد مجرد مدينة ساحلية على البحر الأحمر، بل باتت منطقة اقتصادية ولوجستية واستثمارية ذات بعد إقليمي ودولي، بعدما وضع الملك أسسًا واضحة لمشروع تنموي طموح يقوم على فتح أبواب الاستثمار، وتحقيق شراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، وتطوير البنية الإدارية والتشريعية لجعل المدينة بيئة أعمال جاذبة ومنافسة.

هذا التوجه لم يكن محصورًا في الخطة، بل كان يتجسد عبر متابعة مستمرة من جلالة الملك، ودعم فاعل من سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، ما منح المشروع زخمه وأضفى عليه روح الاستمرارية. وفي كل زيارة ملكية أو لقاء مع الفاعلين في المدينة، كان يتجدد التأكيد على أن العقبة ليست مجرد تجربة اقتصادية، بل هي عنوان لمفهوم تنموي شامل، يربط بين الاقتصاد والتعليم، والسياحة والبنية التحتية، والفرص التي يجب أن تصل إلى المواطن في كل مكان.

وانطلاقًا من هذا المفهوم المتكامل، شهدت العقبة نموًا نوعيًا في بنيتها التحتية، حيث أصبحت تمتلك اليوم 32 رصيفًا مينائيً متعدد الاستعمالات، ومطارًا دوليًا يعمل بسياسة الأجواء المفتوحة، قادرًا على التعامل مع أكثر من مليوني زائر سنويًا. كما أُقيمت مرافق جمركية ولوجستية حديثة، أسهمت في تسهيل حركة البضائع والمسافرين، وربطت الأردن بشكل فاعل بخمس دول حدودية من خلال شبكة طرق حديثة وفعالة.

ولم يكن هذا التحول مقتصرًا على الجانب الاقتصادي فقط، بل امتد ليشمل القطاعات الحيوية كافة، وفي مقدمتها التعليم والصحة والخدمات. فاليوم، تحتضن العقبة ثلاث جامعات، وأكاديميات متخصصة في الطيران، ومدارس دولية وخاصة، بالإضافة إلى بنية صحية متقدمة تضم مستشفيات خاصة ومستشفى عسكري، ومستشفى أطفال حكومي ومركزًا متخصصًا لعلاج السرطان، ما جعل المدينة بيئة مؤهلة للاستقرار والعمل والتعليم في آن واحد، ومثالًا حيًا على توازن التنمية وشمولها.

ولأن التنمية لا تكتمل دون نظرة شمولية تمتد إلى الأطراف، تم ربط العقبة بمحيطها الطبيعي، من وادي رم إلى المثلث الذهبي، وتطوير منظومة النقل بما يضمن انسيابية الحركة للركاب والبضائع. وعلى هذا الامتداد، اختارت شركة “جوجل” العقبة كنقطة التقاء لمشروع الكوابل البحرية الذي يربط ثلاث قارات، ما أضفى على المدينة بُعدًا استراتيجيًا إضافيًا يعكس مكانتها في شبكة الاقتصاد الرقمي العالمي.

هذا التكامل في التخطيط والرؤية انعكس بوضوح على قطاع السياحة، حيث تضاعف عدد الغرف الفندقية في المدينة خمس مرات خلال عقدين، فبعد أن كانت لا تتجاوز الألف غرفة، باتت العقبة تضم أكثر من ستة آلاف غرفة، مع تدفق ملحوظ للزوار بلغ ذروته في عام 2019، حين استقبلت أكثر من مليون ونصف مليون سائح. وقد تزامن هذا النمو مع توسع في خطوط الطيران المنتظمة والعارضة، ما رسّخ مكانة العقبة كوجهة حقيقية على خريطة السفر العالمي.

وقد شكّل هذا الزخم السياحي بيئة جاذبة للاستثمار، إذ تجاوز حجم الاستثمارات في المدينة 15 مليار دينار أردني، جاء الجزء الأكبر منها في قطاع السياحة، تليه قطاعات الخدمات والصناعة. ولم تكن هذه الاستثمارات تغييرًا في المظهر العمراني فحسب، بل أسهمت بشكل مباشر في خلق فرص العمل، وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي، وتعزيز ثقة المستثمرين في البيئة الأردنية ككل.

وكل ما تحقق في العقبة لا يمكن فصله عن الرؤية الملكية التي آمنت بتحويل الجغرافيا إلى فرصة، والموقع إلى رسالة. ففي الذكرى التاسعة والسبعين للاستقلال، تقف هذه المدينة كنموذج حيّ على أن مشروع الدولة الأردنية ما زال نابضًا بالحياة، منفتحًا على أفق من الأمل والتطور، لا تحدّه الجغرافيا ولا تُبطئه العوائق، بل تغذّيه الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى.

Share This Article