قال المستشار القانوني د. زياد العرجا عبر صفحته على الفيس بوك ان رد حركة حماس على البيان الصادر يُظهر بوضوح نهجًا براغماتيًا محسوبًا، يمكن تفكيكه على النحو التالي:
1. إدارة التوازن بين الثوابت والبراغماتية:
– وافقت حماس على تبادل الأسرى بشكل شامل (أحياء وجثامين)، وهو تنازل عملي يهدف إلى كسب الشرعية الإنسانية والدبلوماسية، مع تحويل الضغط نحو الاحتلال الذي يرفض عادة الإفراج الكامل.
– جددت الحركة قبولها بتسليم إدارة غزة لهيئة تكنوقراط مستقلة، ما يعني إسقاط أي ذريعة تتعلق بـ”احتكار السلطة”، وفتح الباب لتوافق وطني يقطع الطريق على مشاريع دولية بديلة مثل “مجلس السلام” الذي اقترحته واشنطن.
2. إعادة الكرة إلى الملعب الأمريكي والإسرائيلي:
– بالموافقة على أبرز بنود المبادرة (وقف الحرب، تبادل الأسرى، إدارة مدنية محايدة)، أزالت حماس المبررات التي تستخدمها واشنطن وتل أبيب لاستمرار العدوان.
– عمليًا، هذه الموافقة توريط استراتيجي لترامب فإما أن يُثبت أنه قادر على إلزام إسرائيل، أو أن يتعرى أمام الرأي العام العالمي كمنحاز كليًا لها.
3. إصرار على المرجعية الوطنية والدولية:
– رفضت الحركة الخوض في قضايا “ما بعد غزة” (المستقبل السياسي، السلاح، التسوية النهائية) إلا في إطار فلسطيني جامع، مستند إلى القرارات الدولية.
– بهذا الموقف، تحافظ على استقلالية القرار الفلسطيني وترفض أي هندسة أمريكية/إسرائيلية لإقصائها أو فرض بدائل قسرية.
4. الرسائل الاستراتيجية في الخطاب:
– هناك رسالة طمأنة للمجتمع الدولي: الحركة لم ترفض المبادرة بشكل مطلق بل وضعت موافقة مشروطة، لتظهر كقوة عقلانية قادرة على الانخراط في التسويات.
– في الوقت نفسه، هناك رسالة تحدٍ للكيان الإسرائيلي: “وافقنا على الأساسيات، والآن أنتم أمام استحقاق الانسحاب ووقف الحرب”.
– داخليًا، هناك رسالة صمود للشعب الفلسطيني: التمسك بالثوابت والحقوق، وعدم التفريط تحت النار والدمار.
5. السيناريوهات المحتملة:
– إذا تجاوبت الإدارة الأمريكية مع هذا الرد، سنكون أمام بداية مسار تفاوضي طويل، لكن هشّ، قد يُستثمر انتخابيًا لصالح ترامب.
– إذا تجاهلت إسرائيل أو واشنطن الرد، ستتمكن حماس من اتهامهما بإفشال الفرصة التاريخية لوقف الحرب، ما يعزز صورتها كممثل شرعي ومرن.
– أما ميدانيًا، فإن البيان لا يلغي حقيقة أن “رجال الميدان لم يتكلموا بعد”، أي أن القرار العسكري ما يزال حاضرًا كورقة ضغط في أي لحظة.
ردّ حماس على مقترح ترامب ليس قبولًا مطلقًا ولا رفضًا قاطعًا، بل هو مناورة استراتيجية مزدوجة:
– يقدّم الحركة بصورة براغماتية مسؤولة أمام الوسطاء والمجتمع الدولي،
– ويترك لها هامشًا واسعًا للمناورة السياسية والعسكرية.
الردّ يعكس فن إدارة الصراع تحت النار: القبول بما يوقف الإبادة، ورفض ما ينتقص من جوهر القضية.
وبذلك تكون الحركة قد نجحت في إحراج ترامب، ووضعت الاحتلال أمام اختبار الإرادة الدولية، وحافظت في الوقت نفسه على وحدانية القرار الفلسطيني وشرعية المقاومة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
