Ad image

من العبي الصيني إلى القلم الصيني

dawoud
3 Min Read

✍️ *من العبي الصيني إلى القلم الصيني..*

كانت البداية عندما تسلل التقليد إلى لباس الهيبة.. فظهر شيوخ لا يملكون من الشِيخة سوى عباءة اشتروها من سوقٍ رخيص.. يلبسونها ليشعروا بثقلٍ لا يملكونه.. ويتحدثون بعباراتٍ حفظوها.. كما يحفظ التلميذ جدول الضرب.. لا روح فيها.. ولا بصمة.. كل ما في الأمر أنهم يقلدون الأصل.. دون أن يدركوا معناه.. ولو نسي أحدهم جملة وهو يتحدث باسم جاهة خطبة حديث.. لوقف عن الحديث.. وأنهى “السولافة”..

واليوم.. المشهد ذاته يتكرر.. ولكن القماش تغير.. فبدل العبي.. صار القلم هو المقلَد.. صار البعض يكتب بما يظن أنه إبداع.. وهو في الحقيقة نسخة مكررة.. ومطبوخة في مطبخ الذكاء الاصطناعي.. بنكهة موحدة.. وتركيبٍ محفوظ.. وكأن النصوص خرجت من آلةٍ واحدة.. لا من روح مختلفة..

تقرأ لهم.. فتشعر أن الجمل جميلة.. ولكن بلا حرارة.. الكلمات مصقولة.. ولكن بلا عِرق بشري.. والأسلوب أنيق.. ولكنه بارد.. لا نبض فيه.. فحتى الأخطاء صارت تُقصّ بالمشرط لتبدو مثالية.. وهذا شيء جيد.. ولكنها مثالية ميتة..

ولأنني أتحاور مع الذكاء الاصطناعي كثيراً.. أصبحت أميز بين النص الذي كتب بالعقل.. والنص الذي وُلد من الآلة.. فالأول يعرق.. ويغضب.. ويتردد.. ويخطئ ثم يعود.. أما الثاني فيسير بخط مستقيم لا يلتفت.. كجندي آلي لا يعرف طعم الحيرة..

وتجد مَن يكتب لهم الذكاء الاصطناعي.. ولأنه نفس العقل المركزي.. فيكتب لأصحاب القلم الصيني بنفس الاسلوب والروح.. فتجد بعض الكلمات.. أصبحت تتردد في النصوص للجميع.. وكذلك تقسيم النص.. وطريقة عرضه.. وطريقة ربط الفقرات.. وبداية ونهاية النص..

إن القلم الصيني يا أصدقائي.. يشبه العباءة الصينية تماماً.. مظهر لامع.. ومضمون خفيف.. يخدعك أول الأمر.. ثم تكتشف أنه لا يحتمل دفء الأصالة.. ولا متانة الأصل..

ما يؤلم أكثر.. أن بعض مَن يحملون ألقاباً أكاديمية.. أو مناصب رفيعة.. صاروا يزينون صفحاتهم بنصوص ليست لهم.. يظنون أن الناس لا تعرف.. لكن العين الخبيرة تلتقط الفارق سريعاً.. فالنغمة لا تشبههم.. والنسق غريب عنهم.. فما بالنا بمن خرج الى عالم الكتابة كالفطر “الفقع”.. واصبح العقاد بين ليلة وضحاها..

ليتهم يدركون أن الجمال ليس في الكمال.. بل في اللمسة التي تفضح إنسانيتك.. في التردد بين الفكرة والفكرة.. في النفس الذي يخرج من بين الكلمات ليقول “هاظ” أنا..

أما القلم الصيني.. فلا يقول شيئاً.. سوى أنه مقلد بإتقان.. وخالٍ من الروح بإصرار..

محمود الدباس – أبو الليث..

Share This Article