وكالة تليسكوب الاخبارية
ثمة خطاب سياسي يبعث على الأمل ألقي في الأمم المتحدة الجمعة. لم يكن خطاب نتنياهو الشخص الذي قوته السامية في تصفية الدول والآمال، إنما هو خطاب لوزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، الذي تسلم الميكروفون بعد تصريحات ممثلي الدول العربية.
“جاء رئيس حكومة إسرائيل إلى هنا اليوم، وقال إن إسرائيل محاطة بمن يريدون تدميرها”، قال الصفدي. “نحن هنا أعضاء في لجنة تمثل 57 دولة عربية وإسلامية، ويمكنني القول لكم بشكل حازم: جميعنا مستعدون في هذه الأثناء لضمان أمن إسرائيل في سياق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية”.
أراد الصفدي تذكير نتنياهو وحكومته بأنهم هم الذين يرفضون طرح أي حل سياسي، ويفضلون المراوحة في المكان في دائرة لانهائية من الدماء والثأر. “ما هي رواية إسرائيل باستثناء مواصلة القتال والقتل والتدمير؟”، تساءل الصفدي. “يجب أن تسألوا أي ممثل إسرائيلي عن خطتهم للسلام، ولن تسمعوا شيئاً… نحن سندمر غزة، وسنشعل الضفة الغربية، وسندمر لبنان. بعد ذلك، لا خطة لديهم. لدينا خطة، ولكن لا يوجد شريك في إسرائيل للسلام”.
ليس عبثاً أن اختار الصفدي تكرار أقوال إيهود باراك المتغطرسة بعد عقد مؤتمر كامب ديفيد، “لا يوجد شريك فلسطيني”. هذا التعبير أصبح ذريعة أبدية لحكومات إسرائيل من أجل تعميق اضطهاد وقمع الشعب الفلسطيني، والتهرب من أي ظل لاحتمالية إجراء المفاوضات السياسية.
هذه النظرية ترسخت في وعي الإسرائيليين، وقضت على أي إمكانية، حتى لو تخيل مستقبل أفضل، في ظل ظروف مظلمة تنمو نباتات اليمين المتطرف السامة وتزدهر. بعد ذلك، نفس المقاربة أنبتت رعاية حماس، باعتبارها الذخر، على حساب السلطة الفلسطينية، وكانت النتائج كارثية. فالالتزام بحل الدولتين تحول من ضريبة كلامية إلى موجه للسياسة.
الصفدي قال الحقيقة، التي لا يفضل كثير من الإسرائيليين سماعها (أحد الأمور التي يكرهها الإسرائيليون هو أن العرب وبحق يريدون السلام). انظروا حولكم ولو لحظة: هذه الدولة التي تحتل وتسلب منذ عشرات السنين، والتي تغرق الآن في حملة قتل وتدمير لانهائية، والتي ترفض اتفاقاً لوقف إطلاق النار حتى من أجل إعادة المخطوفين، والتي يختار من يترأسها الحرب الخالدة ليضمن بقاءه على الكرسي ويسير مواطنوه وراء جنونه – ألا تظهر لكم بأنها شريك مزيف؟.
الكهانية انتشرت في كل مكان، الأولاد في المدارس ينشدون “لتحرق قريتكم”. وقناة الأخبار الرسمية تحتفل بالموت من خلال رفع الأنخاب المتوحشة، والمليشيات المسلحة تقتحم القرى لضرب سكانها وسرقة ممتلكاتهم. وهناك مواطنون يعتقلون بسبب التعبير عن معارضة قتل الأبرياء. وثمة وزراء في الحكومة يحلمون منتشين بإلقاء قنبلة نووية والاستيطان في غزة ولبنان. غزة مدمرة وجائعة، عشرات الآلاف قتلوا إزاء هتافات فرح الجمهور، ومئات الآلاف أصبحوا لاجئين، وتم زرع المزيد من الدمار والكراهية في كل مكان.
بعد كل ذلك، ما زال لنتنياهو وجه يذهب به إلى الأمم المتحدة ويتحدث عن أمور وهمية، دولة جميلة، العائق الوحيد بينها وبين السلام العالمي هو نفس الشريك الغائب.
مع ذلك، لم تقدم أقوال أيمن الصفدي الإثبات فحسب، بل الأمل أيضاً. فقد كانت بمثابة تذكير بوجود حلول أخرى مطروحة على الطاولة منذ سنوات خلافاً لكل الروايات التي يروونها لنا، ولا تحتاج إلى موافقتنا على الجلوس حولها. في إسرائيل الحالية، كل من يتجرأ على قول ذلك يحصل على وابل من الاستهزاء والكراهية. حتى زعماء اليسار يفضلون التحدث عن احتلال جنوب لبنان بدلاً من التحدث عن السلام. من حسن الحظ أن وزير خارجية الأردن تحدث لفترة قصيرة جداً في الميكروفون.