وكالة تليسكوب الاخبارية
قرأت واجيال خلال القرن الماضي عن الاستعمار اليوناني والروماني قبل وبعد الميلاد للعالم، وعن الغزو التتري والمغولي وعن الحملات الصليبية على فلسطين ، وعن الاستعمار الاسباني والبرتغالي ثم عن الاستعمار والغزو الفرنسي لمصر وفلسطين والجزائر وسوريا ، والاستعمار الايطالي لليبيا والاستعمار البريطاني للعراق وفلسطين والأردن، وعن الحروب التي قادتها امريكا، وما الت آلية حملات الغزو والحروب من دمار لتلك الأمم وحجم القتل والسجن والسرقة للمقدرات والثروات الوطنية ، ولكن لم اقرا حتى الآن عن الاستعمار الامريكي الدائم للشرق الأوسط بقيادة الأحمق ترامب مدفوعا بإدارة ورأي عام صهيوني متشدد يمنحة شرعية دينية متأصلة في عقيدة تلك الجماعات والحركات بل وتمثل عقيدة السياسة الامريكية في العالم.
ترامب بتصريحاتة المتطرفة يوقع معاهدة سايكس بيكو الثانية بعد مضي قرن ونيف على توقيع المعاهدة الأولى، حيث يرسم ونتنياهو خريطة الشرق الأوسط الجديدة، ويعلن امام العالم عامة والعربي والإسلامي خاصة عن بداية حملتة الصليبية لاحتلال الشرق الأوسط بداية من غزة ، وعن تهجير شعب فلسطين إلى الاردن ومصر ودول آخرى أبدت استعدادها لاستقبالهم رغم رفض مصر والاردن.
قرأت أيضا ان تلك الحملات والغزوات والاستعمار السابق تم بغياب الوعي والوحدة في دول العالم العربي والإسلامي، وأنتشار الجهل والفقر وانعدام الأمن المجتمعي وضعف الامكانيات العسكرية، وفي اقسى حالات التشرذم والاقتتال والنزاعات البينية داخل الدولة حينا وبين دول الإقليم اخرى، وضعف سياسي واقتصادي واجتماعي واعلامي مكنت تلك الدول من الاحتلال والاستعمار لعقود طويلة .
لذا وفي القرن الحادي والعشرين غير مقبول نهائيا ان يجري الاحتلال والاستعمار الامريكي بايادي صهيونية والدول العربية تملك السيادة الكاملة على دولها، ولها اقتصاديات وثروات طبيعية لامحدودة وشعوب واعية مثقفة ومؤسسات دستورية بل وجيوش تغطي عين الشمس باسلحة متطورة وسيطرة على البر والجو وسيادة الأمن والأمان ، والأكثر استهجانا ان يقسم ترامب الشرق الأوسط ويعلن احتلاله بداية بغزة امام دول الجامعة العربية التي يتجاوز دولها الاثنا والعشرين وتمثل سكان يتجاوز عددهم (450) مليون نسمة ، وبوجود منظمة المؤتمر التعاون الإسلامي بعدد (57) دولة ويتجاوز عدد سكانها (2) مليار نسمة، مع قدرات وإمكانيات وعلاقات واتفاقيات ومعاهدات واعلام ، رغم كل ذلك، سيحتل ترامب جزء من دولها دون أن يصدر عنها ردة فعل بحجم التهديد المتطرف وكأن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر التعاون الاسلامي ودولهم اصابها الجبن والوهن والاستسلام.
تصريحات زعماء الصهيونية العالمية “ترامب~نتنياهو” باحتلال الشرق الأوسط واستعماره وتقسيمة بداية في غزة احتلالا ودمارا وتهجير وتوطين اهلها الشرعيين خارج ارضهم التاريخية ووطنهم الاوحد، يجري كصفقات تجارية امام العالم الديمقراطي ومؤسساته الاممية من مجلس الامن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية ووكالاتها وكان تهديد السلم العالمي اصبح خارج مهام الامم المتحدة ومؤسساتها.
تصريحات زعماء الصهيونية العالمية ليست لحظية الولادة، ولم تأتي مع ادارته الجديدة او نتيجة لزلزال 7 اكتوبر وما نتج عنها من أحداث ودمار وقتل وابادة جماعية ، بل تشكلت لدى ترامب ~نتنياهو ذهنية فكرية منذ نعومة اظفارهم، فهما يشكلان راس حربة لتحقيق العقيدة الصهيونية الاصولية للبروستانت الانجيليين في امريكا والعالم والتي بدأت منذ القرن الأول على يد اليهود المسيحيون الذي يعتقدون بعودة المسيح ليحكم العالم الف سنة محاطا بالقديسين ، وسمي انذاك تيار الألفية كمعتقد ديني ، ثم ظهر المعتقد في انجلترا بداية القرن 17 وجعل من السياسة وقادتها طريق لتحقيق اهدافها ومعتقداتها حيث تزعم ان قيام دولة يهودية في فلسطين تحقيقا لنبؤة الكتاب المقدس ، ولتحقيق هذه النبؤه يجب أن يحكم اليهود “شعب الله المختار “والأمة المفضلة عند الرب “فلسطين لان “لديهم وعد إلهي بربط اليهود بفلسطين ” ، لذا كان الإيمان لدى البروستانت الانجيليين الاصوليين بعودة المسيح الثانية التي تلزم قيام الكيان الصهيوني على كل ارض فلسطين.
كما يلنقي زعماء الصهيونية البروستانت الانجيليين الاصوليين وزعماء الصهيونية على مخطط لإعادة بناء الهيكل اليهودي في موقع المسجد الأقصى، ولا يتم ذلك الا عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل فلسطين ومنها تتم البركة الإلهية على العالم اجمع .
كما حمل هذا الفكر والعقيدة البروتستانتية الاصولية أغلبية المهاجرين الاروبيين إلى الأراضي الأمريكية وكان لهم دور في تأسيس الدولة الأمريكية، حيث شكلت عقيدتهم عقلية الدولة الأمريكية وقادتها السياسيين ونتج عن هذا تحالف مقدس بين البروستانتية واليهودية وخلقت علاقة متينة بين الصهيونية اليهودية والبروستانتية الاصولية.
كما تميزت البروتستانتية الأمريكية بصفتين جعلت منها اكثر قوة وتأثيرا وهما : هيمنة الاتجاه الاصولي البروتستانتي وثانيهما سيطرة اليهود على الاصوليين البروتستانتيين ، ومن هذا التزواج ولدت البروتستانية الصهيونية ومنها البروستانت الانجيلية التي انتشرت في الولايات المتحدة وخاصة بين السياسيين واصبحت تمثل أغلبية لديهم ووصل عدد أعضائها بالعالم ( 140) مليون .
كما ظهر من عرابي هذه العقيدة القس الايرلندي جون نيلسون داربي الذي يعتبر الاب الروحي لحركة البروتسانت الصهيونية الأمريكية، والذي نشر فكره ومعتقداته في العديد من الكتب والمؤلفات حيث ظهر خلفاء له مثل داويت مودي وويليام يوجين بلاكستون الذي الف كتاب “المسيح آت” عام 1887 وسايروس سكوفيلد الذي الف كتاب “انجيل سكوفيلد المرجعي ” عام 1917 والتي يعد المرجع الاول لحركة البروتستانتيه الصهيونية.
كما تبني السياسيين البريطانيين أمثال عضو البرلمان اللورد شافتسيري وغيرهم هذه العقيدة بل ساهموا في تقويتها وتأثيرها على الساسة البريطانيين في بداية القرن (19) حيث كان له الدور في تهجير اليهود بإعداد كبيرة لفلسطين بمواقفة وكتاباته ومنها بدأ الاستعمار الصهيوني لفلسطين ، وتبني ثيدور هرتزل مؤسس الفكر الصهيوني لهذه الجماعة رغم علمانيتة وقوميتة ونشر الفكر الصهيوني بين اليهود والمسيحيين وخاصة البروتستانت لدعم اليهود تحت مقولة “الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجة الانجيلي من خلال جسد المسيح “.
لذا تلتقي الحركتان الصهيونية البروستانتية الاصولية والصهيونية اليهودية على نفس الأهداف والعقيدة بفرض سيادة اليهود على كامل فلسطين ويجب تسخير كل الامكانيات السياسية والامنية والعسكرية والاعلامية والسلطات التشريعية والتفيذية(الحكومات) لتحقيق دعم كامل لإسرائيل لسيطرتها على كامل فلسطين وضمان تفوقها الامتي والعسكري وحمايتها ضد اي تهديد خارجي حيث انتشرت في المجتمع الامريكي وسيطرت على السياسيين والقادة وتمتلك المئات بل الالوف من المؤسسات مثل “مؤسسة الائتلاف الوحدتين الوطني من أجل إسرائيل ” واللوبي الصهيوني في السلطات الأربعة في امريكا وخاصة السلطة الرابعة “الإعلام” وتملك اغلبه، بل واصبحت ترسم سياسة البيت الأبيض وتشكل عقلية رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ومن أبرز اتباعها الرئيسان السابقان”جيمي كارتر ” الحزب الديمقراطي” و رونالد ريغان ” الحزب الجمهوري”.
لما سبق تشكلت عقلية وفكر وذهنية كلا الرئيسين ترامب ونتنياهو وبناء على تلك العقلية والهدف والنبوءة تعد الخطط العسكرية والتكنولوجية والصناعية والاقتصادية وتنطلق التصريحات التي تمهد لتلك العقيدة الصهيونية.
لاجل ذلك، صوت (81%) من أتباع الصهيونية البروستانتية الانجيلية الاصولية لصالح ترامب في الانتخابات الامريكية الاخيرة لأنه احد اتباعهم والأكثر تطرفا بين الرؤساء الامريكيين لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس بسيطرة اليهود على كامل فلسطين لتسريع نزول المسيح وتحقيق معتقداتهم وخزعبلاتهم ، وهو الرئيس الأقوى في تسخير الولايات المتحدة الأمريكية جيشا وسلاحا واقتصادا وسياسة لاجل إسرائيل دون اي عوائق سياسية او اقتصادية او غيرها ولو اضطر الامر لاستعمار الشرق الأوسط كلة.
القس ترامب دعى في أول أيام تنصيبة إلى العودة إلى الله وانه يشعر بالإيمان الذي سيطر على كل جوارحه وكانه يقول ان الله ارسله لتحقيق نبوءته بارض فلسطين وسيبدأ في احتلال غزة واستعمارها لتهيئتها كما باقي فلسطين والشرق الأوسط لنزول المسيح بالفيتة الثانية.
العالم في غفلة الزمن ونتنياهو وترامب ينفذون عملية (الأرض النظيفة) التي اعدت في تسعينيات القرن الماضي ، والتي تقوم على تدمير دول الشرق الأوسط بدون حروب مكلفة بافتعال الاقتتال الداخلي واصطناع الثورات ليتسلموا تلك الدول جاهزة أرضا وثروات بدون سكان بعد أن هاجروا ونزحوا وقتلوا.
هذه الذهنية الفكرية لدى قادة امريكا خلال عقود أوجدت قادة غير كفؤين في الشرق الأوسط بل وساهمت في تخلفهم ودولهم وتدمير اي تطور لديهم وخلق نزاعات داخلية وبينية لتبقى اليد الطولى لهم ، ولا يمكن مشاهدة الدول العربية بأكثر من هذا الضعف والتشرذم والوهن لدى قادتها وشعوبها التي لا تملك من أمرها شيئا حيث تؤمن بالزعيم اكثر ما تؤمن بالله.
اليوم لقاء تاريخي بين الاردن صاحب مشروع السلام والامن والدبلوماسية ، وامريكا صاحبة مشروع الاستعمار الصهيوني والتطرف والإرهاب، بين أيادي تحمل غصن زيتون وبين أيادي تحمل النووي سلاحا وقمعا، اليوم يمثل الملك عبدالله الثاني بن الحسين الشرق الأوسط ويحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه بالتفسير والشرح والاقناع لعقلية تشربت العقيدة الصهيونية الاصولية ولكن لا بد من المحاولة وخلفة الشعب الاردني واحرار العالم على اختلاف مشاربة ومؤسساته الرسمية والاهلية لان القادم الاسوأ لا يميز بيننا فكلنا في عداد القتلى، لذا فوحدة هدفنا خلف الملك اليوم والدعوات ان ينجح بمهمتة ومحاولة ثني المتطرف ترامب على تحقيق معتقدات الدولة الأمريكية العميقة فهي مهمة صعبة وشاقة اسأل الله العظيم ان ينجح الملك بها ويجنب الشرق الأوسط ويلات الحروب والدمار .
اللهم آمين يارب العالمين.
رجا الحمايدة