Ad image

ولي العهد يكسر الصمت: التردد أضاع سنوات.. والحل في أيديكم

admT2
5 Min Read

وكالة تليسكوب الإخبارية – بقلم: موسى الدردساوي

في خطابٍ حمَل قدرًا كبيرًا من الصدق والرؤية العميقة، أطل سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، على الشباب في ملتقى “تواصل 2025″، لا ليقدّم مجرد كلمات بروتوكولية منمّقة، بل ليبثّ في نفوسهم شعلة من الإيمان والإرادة، ويُذكّرهم بروح الأخ وصدق الصديق أن بناء المستقبل ليس ترفًا ولا خيارًا مؤجلًا، بل مهمة عاجلة تبدأ من اليوم، ومن كل واحد فيهم

لم يكن الخطاب مجرد عرض للأفكار أو توصيفًا للواقع، بل كان أشبه بحوار صريح مع جيل يحمل عبء التحولات الكبرى وتحديات العصر، جيل يقف على حافة زمن جديد، تتغيّر فيه مفاهيم القيمة والمعرفة والعمل. ففي عالم باتت فيه “الانطباعات أقوى من الحقائق”، كما قال الأمير، يصبح التواصل الحقيقي ليس ترفًا اجتماعيًا بل ضرورة إنسانية وسياسية لبناء الثقة والمضيّ قدمًا وسط عالم مأزوم ومليء بالاستقطاب والقلق.

من اللحظة الأولى، بدا سمو ولي العهد مستحضرًا عمق التجربة الأردنية، مؤسسةً وإنسانًا، فاستعاد “الثوابت الأردنية” التي شكّلت شخصية الدولة والمواطن منذ التأسيس: المثابرة، الإخلاص، والتميّز. لم تكن هذه القيم مجرد شعارات، بل قاعدة أخلاقية دعا الأمير للانطلاق منها في كل حوار ونقاش وطني، واضعًا إياها في مواجهة مباشرة مع التحديات الجديدة التي تفرضها الثورة التكنولوجية والتحولات الجذرية في الاقتصاد وسوق العمل.

في هذا السياق، لم يغفل سموه التأكيد على ضرورة تمكين الشباب بالمعرفة وأدوات المستقبل، متجاوزًا الخطابات التنموية التقليدية نحو تصور واضح: اقتصاد يُبنى على العقول لا على المصانع، وتنافسية تقوم على البحث والتطوير لا على الاستيراد والاستهلاك. هذه رؤية ليست من نسج الخيال، بل مستندة إلى نماذج حقيقية طبقتها دول جعلت من التكنولوجيا أولوية وطنية، وقطعت بها أشواطًا نحو التنمية الشاملة والمستدامة.

ما ميّز الخطاب كان لغته البسيطة العميقة، وقدرته على ملامسة التفاصيل اليومية لحياة الناس، عبر رؤى واقعية لا تغفل التحديات ولا تهرب منها. رأينا من خلال عيني الأمير مراكز صحية متصلة عن بُعد بأطباء اختصاصيين، ومدارس تستعين بمساعدين افتراضيين مدعومين بالذكاء الاصطناعي، وطائرات من دون طيار تخدم الزراعة وتنقل المواد الطبية وتراقب البنى التحتية. كلها صور قريبة، ممكنة، لكنها مشروطة بالعمل، والتنفيذ، لا بالمزيد من الجدل والتردد.

غير أن البُعد الإنساني في الكلمة لم يكن أقل حضورًا من البُعد التكنولوجي. فقد شدد سموه على أن التنمية ليست مجرد معادلة اقتصادية، بل أداة لبناء مجتمع آمن، متماسك، يشعر فيه الإنسان بأن له دورًا ومكانة وفرصة. ومن هذا المنظور، تصبح العدالة والفرص والابتكار ليسوا مجرد مفردات طموحة، بل أساسات ضرورية في هندسة الدولة الحديثة، وفي تحصين الجبهة الداخلية بثقة المواطنين في أنفسهم وفي دولتهم.

في لحظة صدق نادرة، اعترف سمو ولي العهد بما وصفه بـ”سنوات أضاعها التردد والمماطلة في التنفيذ”، لكنه لم يتوقف عند اللوم، بل فتح بابًا للمكاشفة والعمل، مشددًا أن المطلوب اليوم ليس مجرد استهلاك التكنولوجيا، بل التحول إلى صانعين لها، ومؤثرين في مساراتها العالمية. وفي هذا السياق يتجلى الجانب القيادي لسمو الأمير، إذ لا يكتفي بالتوجيه، بل يتحمّل جزءًا من مسؤولية قيادة هذا التحول من خلال إنشاء مجلس لتكنولوجيا المستقبل، داعيًا المؤسسات العامة لتكريس ثقافة جديدة في التفكير والعمل.

لم يكن حديث الأمير خطابَ مناسبة، بل خريطة طريق نحو أردن مختلف. أردن يطمح إلى أن يكون منصة لتصدير الحلول الذكية، شريكًا فاعلًا في الإقليم، لا متلقيًا على هامش الأحداث. أردن يُعوّل على طاقاته البشرية لا على ثروات غير موجودة، وعلى أفكار خلاقة تعيد تعريف الثروة والمعرفة والمستقبل.

لقد تكلّم الأمير بلغة الأمل دون أن يتجاهل الألم، بلغة العزيمة لا المجاملة، واضعًا في أيدي الشباب مشعل الثقة ومسؤولية الإنجاز. لم يكن ولي عهد يتحدّث إلى أبناء شعبه، بل شابٌ مثلهم، يحلم معهم، ويخطّط معهم، ويؤمن مثلهم أن العقول النيرة لا تصنع الفارق فحسب، بل تبني الأوطان وتحصّنها.

في زمنٍ بات فيه الكلام كثيرًا والفعل قليلًا، جاءت كلمة سمو ولي العهد لتذكّر الجميع أن المستقبل لا يُنتظر، بل يُصنع هنا، والآن.

Share This Article