
بقلم: موسى الدردساوي
في الأردن، وبتوجيهات جلالة الملك عبد الله الثاني وولي عهده الأمين، تُصان حرية التعبير كمبدأ راسخ في نهج الدولة، وتُفسح الساحة للنقاش والنقد والتعددية الإعلامية. ومع ذلك، لا تزال بعض الأسئلة تطل برأسها من قلب الميدان الإعلامي، حين يصطدم النصّ بالواقع.
في إحدى مجموعات “واتساب” المحلية، التي تجمع مسؤولين وصحفيين ونشطاء، اشتعل جدلٌ مفاجئ بسؤال ظاهره بسيط:
“من هو الإعلامي الرسمي الذي يحق له نشر الأخبار؟“
لكن السؤال لم يكن بريئًا، بل كشف ما يشبه الانفجار الصامت داخل الجسد الإعلامي، حيث اختلطت المفاهيم، وتشابكت الأدوار، وتبددت الحدود بين الاحتراف والانتماء وبين الفعل والمسميات.
بين القانون والواقع
نظريًا، تبدو الإجابة واضحة: الإعلامي هو من يعمل في مؤسسة مرخصة، يلتزم بقواعد المهنة، وينشر محتوى ضمن الأطر القانونية. لكن من الناحية الواقعية، ثمة أصوات تتشكل خارج هذا الإطار، تنقل الحدث، وتسبق الجميع، وتفرض حضورها من دون بطاقة تعريف أو عضوية نقابة.
في العقبة، كما في عمّان والزرقاء، نشهد كل يوم شابًا أو شابة يوثقون مشاهد من الميدان بهواتفهم: حريق، حفرة تهدد سلامة الناس، فساد في مؤسسة محلية… هؤلاء لا ينتظرون تصريحًا، بل يملكون دافعًا ذاتيًا للتوثيق، وشجاعة على قول ما يُخشى قوله.
من يحمي المهنة؟ ومن يهددها؟
هناك من يرى في هذه الأصوات تهديدًا للمهنة، وفوضى للمعلومة، ومصدرًا للشائعات. لكن هل الحل في إقصائهم؟ أم في احتوائهم وتدريبهم؟
الحقيقة أن الإعلام لا يُحمى بالانغلاق، بل بالانفتاح المسؤول. فأن تُدرّب، وتُمكّن، وتُحاسب هذه الطاقات الجديدة أفضل ألف مرة من تجاهلها أو شيطنتها.
خذ مثالًا بسيطًا: شاب وثّق حريقًا في حي شعبي ونشر الفيديو على صفحته الشخصية. لم يكن يحمل بطاقة صحفية، لكن الفيديو انتشر لاحقًا على كبرى المواقع الإخبارية. هل يُعدّ هذا الشاب منتحلًا للصفة؟ أم إعلاميًا بالفطرة والموقف؟
الإعلام الجديد: لا ورق ولا ختم… بل حضور
الأردن يضم اليوم بالإضافة للإعلام الرسمي و القنوات الفضائية أكثر من 300 موقع إخباري إلكتروني، ومئات الصفحات النشطة التي تمارس دورًا إعلاميًا بطرق مختلفة. هذه الحقيقة تُجبرنا على إعادة التفكير في تعريف “الإعلامي”، لا لإلغاء الأطر المهنية، بل لمواءمتها مع الواقع المتغير.
ففي زمن تنتقل فيه المعلومة بسرعة الضوء، لم تعد المصداقية حكرًا على من يمتلك بطاقة عضوية في النقابة، بل على من يمتلك الحسّ الأخلاقي، الجرأة، والالتزام بالحقيقة.
وهنا، لا بد أن نعترف: بعض من لا يُعترف بهم رسميًا، يقومون بدور إعلامي لا يؤديه كثير من “المعترف بهم”.
من يحرس بوابة المعلومة؟
الجدل الذي اشتعل في تلك المجموعة لم يكن حدثًا عابرًا، بل انعكاسًا لسؤال أكبر:
من يتحدث باسم الناس؟ من يحرس الحقيقة؟ ومن يُقصى لأنه لم يدخل من الباب الرسمي؟
في النهاية، الناس لا يبحثون عن هوية ناقل الخبر بقدر ما يبحثون عن صدقه.
الخلاصة
الإعلام في جوهره ليس رخصة، بل ثقة.
ليس مؤسسة فقط، بل موقف.
وفي بلد يُكرّس حرية التعبير كنهج راسخ، لا بد أن نفتح الأبواب أمام أصوات جديدة، لا أن نُغلقها بذريعة الحماية.
فالخطر على المهنة لا يأتي ممّن يتحدث، بل ممّن يلتزم الصمت حين يجب أن يُقال الكثير.